أسماء محفوظ..أسماء سيحفظها تاريخ مصر

من هي أسماء محفوظ؟

هي رمز قبل أن تكون فتاة في مقتبل عمرها أكملت عامها السادس والعشرين في الأول من فبراير الحالي، حاصلة على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة القاهرة .. وصفتها الصحف بأنها ذكية واعية تجمع بين جمال المظهر والمخبر وإن بدت لأول وهلة فتاة جامعية عادية شأنها شأن كل الفتيات اللائي قد تُصادفهن في الشارع المصري كل يوم.

هي الناشطة المصرية بحركة شباب 6 ابريل التي تأسست عقب الإضراب الشهير الذي شهدته مصر في 6 إبريل من   عام 2008م، وقد بدأت نشاطها من شبكة الانترنت وتحديداً على موقع الفيس بوك وقد تحدثت بالعامية المصرية على أحد مواقع الإنترنت عن أولى نشاطاتها الإحتجاجية فتقول (فضلت شوية أشارك من بعيد لغاية ما نزلت أول مظاهرة طبعاً كنت خايفة جداً كانت المظاهرة أمام نقابة الصحفيين ومكنتش عارفة حد بس نزلت وشاركت واتعرفت على الناس رجعت أوصف للناس على الفيس بوك ما حدث وأشجعهم ينزلوا للواقع، في الأول بابا كان خايف عليَّ أوي وأهلي حاولوا يمنعوني كثير .. كنت عارفة كويس الأمن بيعمل ايه وبيقدر يخوّف البنات إزاي .. بس كنت بقول في نفسي لو أنا خفت وغيري خاف هنفضل زي ما احنا ومش حنتغير ولا هنعمل حاجة ويبقى عليه العوض في البلد دي).

لم تكن تتوقع ولا تحلم أسماء محفوظ أن صرختها التي أطلقتها في موقع اليوتيوب ستُحدث التحول التاريخي في مسار مصر الذي شهدناه وهو تحول لا يماثله أي انقلاب عسكري في التاريخ .. إنه نداء 25 يناير الذي تجاوب معه الملايين من أهل مصر والذي سيبقى خالداً في أذهان المصريين بل والعالم أجمع كواحدة من أولى شرارات ثورة الخامس والعشرين من يناير..

إلى من لم يستمع الى كلمات هذه الفتاة على مدى الأسابيع التي سبقت الثورة فعليه أن يفعل ..

تناشد فيه الشعب وخاصة الشباب والشابات بكلمات بسيطة مؤثرة بلسان صدق ومن ورائه قلب ينزف ألماً وحسرة وحباً لوطن ضاعت فيه كرامة الإنسان وتفشى فيه الظلم والفقر والفساد ..

تتحدث في اليوتيوب بلغة عامية بسيطة مؤثرة .. تذكر أهل مصر بالأربعة الذين أحرقوا أنفسهم من أهل مصر وكيف أن المجتمع انصرف من مناقشة أسباب وصول هؤلاء الشباب الى هذا الحد من الإحباط الذي يجعل الإنسان يفقد عقله ويحرق نفسه إلى مناقشة هل هم من أهل الجنة أو النار؟

وتقول لأهل مصر إن دعوتها الأولى للنزول إلى ميدان التحرير لم يستجب لها إلاّ 3 شباب وأنهم وجدوا في انتظارهم 3 عربيات أمن وضباط وعشرات البلطجية الذين أبعدوهم عن الناس وضربوهم.

واليوم تناديهم وتدعوهم بالإحتجاج يوم 25 يناير وذكرت في الفيديو أنها سوف تنزل يوم 25 يناير كفتاة مصرية تدافع عن كرامتها وحقوقها وتقول للفساد لا.. وتدعوا للخروج السلمي.. وتُحمل كل الشباب الإدانة لو أنهم تركوها تنزل وحيدة وتحملهم ذنب كل من سُيضرب في هذه المسيرة السلمية إذا ما هم تقاعسوا عن الخروج من بيوتهم .. وفي ليلة الرابع والعشرين من يناير الساعة العاشرة مساءً أرسلت فيديو آخرا تحث فيه المصريين على الخروج ليوم سلمي تماماً والإعتصام ليوم أو اثنين أو ثلاثة حتى تتحقق المطالب ..
وحثتهم على الصلاة والدعاء مسلمين ومسيحين لأن الله وحده القادر على نصرهم وحمايتهم وأنهت الفيديو بقولها (مستنية أشوفكم بكرة .. حأكون في الميدان الساعة الثانية ظهراً بالضبط .. ماحدش يتأخر كل واحد يجي ومعاه علم مصر .. هو الغطاء بتاعنا .. البلد بلدنا وحقنا .. ونطالب بحقنا كبني آدمين وكمصريين .. بكرة أملنا .. بكرة حلمنا .. أول خطوة في طريق حلمنا .. حأستناكم بكرة).

وكان يوم الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من يناير وانطلقت المظاهرات من معظم ميادين وشوارع مصر عقب الصلاة وبدأت الأعداد في التزايد وتحركت المظاهرات نحو ميدان التحرير، ولكن في الطريق الى الميدان بدأت تظهر القوى الأمنية والسيارات المصفحة وقوة مكافحة الشغب وجنود الأمن المركزي، وبدأ ضرب المشاة المسالمين بكثافة بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وتقول أسماء إنها شاهدت شباباً يموتون أمام عينها وكانت تبكي ولكن كلما انتابها الخوف كانت تقول لنفسها إنه لا يمكن التراجع الآن لأن دم هؤلاء الشباب لا يجب أن يضيع هباءً .. تقول أسماء (قاومنا كثير وهربنا أكثر .. وفي النهاية نجح عدد كبير منا في الوصول إلى ميدان التحرير وعندما قامت الشرطة بالانسحاب من الشوارع ليلة الجمعة أدركت لأول مرة أن الدعوة التي لم أكن أحلم أن ينضم إليها أكثر من 10 آلاف شخص تحولت إلى ثورة شعبية، وكان بعض المتظاهرين يرونني وسط المظاهرات ويقولون لي “انتي بتاعت الفيديو” .. “إحنا نزلنا الشارع علشانك، وتأثرنا بكلامك في الفيديو جداً”، وقتها أحسست أني قدمت شيئاً لبلدي وأهلي) ..

والكل يعرف بقية القصة .. ولكن الذي يحتاج إلى وقفة منا هو كيف استطاعت فتاة جامعية في مقتبل عمرها مع زملائها الإطاحة بأعتى وأشرس نظام دولة وجهاز أمني في المنطقة ..
إن المعركة لم تكن بين أسماء محفوظ وحسني مبارك .. وإنما كانت بين رمزين ..

(أسماء محفوظ) رمز للمواطن الذي يحس بمعاناة وطنه الذي يرضخ تحت الظلم والفقر والفساد.

و(حسني مبارك) الذي يرمز للنظام الذي كان منشأ الظلم والفقر والفساد .. فالمعركة لم تكن بين (أسماء محفوظ) و(حسني مبارك)، بل ولم تكن بين الشعب والنظام ..

وإنما كانت بين الله العادل الحق وبين الحاكم الظالم الباطل، وما الشعب والشباب والشابات وأسماء ووائل غنيم وغيرهم إلا أدوات في يد الرحمن .. وعندما جاء الإذن الرباني بنزع الملك كان لله ما أراد .. )يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويُعز من يشاء ويذل من يشاء)، ومنَّ الله على الذين استضعفوا كما وعد، ولم ينفع النظام ما جمع من أسباب الدنيا ولم ينجهم أمنهم وبطشهم مما كانوا يحذرون.

نعم إن (أسماء) هي رمز ونموذج تحكي قصة معاناة مواطن وشعب ..

و(مبارك) هو رمز ونموذج يحكي قصة طغيان حاكم ونظام ..

إنها سنة من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير، وبالرغم من وضوحها وكثرة تعاقبها عبر العصور مما فصلت فيه الكتب السماوية، وبالرغم من كثرة القصص التي يرويها لنا تاريخ الإنسانية .. إلا أن أهل الظلم بما ران على قلوبهم من فساد لا يعتبرون ..

ولكنهم ظنوا كما ظن مَن قبلهم أنهم بالقوة والتهديد والتعذيب يستطيعون أن يُخرسوا صوت الحق ونسوا أن صوت الحق لا يُخرس فالله هو الحق وهو غالب على أمره .. ولينصرن الله أهل الحق والمظلمة بعز عزيز اوبذل ذليل وله الأمر من قبل ومن بعد ..

والعجيب في أمر هذه السنة الربانية أنه كلمَا اشتد الظالم إيذاءً للمظلوم، كلما أكسب ذلك المظلوم قوة ورسوخاً وثباتا،ً وكلما سارع ذلك في زوال قوة الظالم، وإذا بالظالم نفسه – يصبح دون أن يدري- أداة لتحقيق سنة الله فيه وفي زوال حكمه وسلطانه .. وبهذا يسخر القدر بكل هولاء وتسري سنة الله فيهم ليحق عليهم العذاب.

ولو أن النظام في مصر استمع حقاً لهؤلاء الشباب وبدأ في إصلاحات حقيقية لوجد الشباب خير مُعين له ..

ولكن سنة الله جرت عليهم فحرموا التوفيق، وكانت لهم سوء الخاتمة والعاقبة، وانتهت القصة كما انتهت كل قصص الأولين.

وستستمر القصة تروى على مدى العصور والأزمان، تتغير الأسماء والوجوه والأماكن والوسائل، وتبقى السنة الربانية قائمة …. لينتصر الحق ولو بعد حين ..

{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ “5” وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}. سورة القصص، آية 5-6

عكاظ  لقراءة المقالة من صحيفة عكاظ الرجاء الضغط على الرابط أدناه

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20110222/Con20110222402082.htm