بيت الله أولى من ديزني

حدثني أحد أصدقائي الأعزاء عن موقف عايشه في الحرم الشريف, وصديقي هذا عضو من أعضاء مجلس الشورى ومن أهل العزيمة والحرص على الإصلاح ولانزكي على الله أحدا.

 

وقد كان اتصاله بي على جوالي بعد دقائق من الحادثة فقال لي بما معناه: (انه قام اليوم بدور طبيب, فسألته كيف كان ذلك؟ فأجابني بأنه كان يتعبد في الحرم الشريف فسمع من خلفه أحد المتعبدين يصرخ وهو نائم ويحرك أطرافه بطريقة غير طبيعية, فاقترب منه مصل آخر وأخذ يقرأ عليه القرآن, فعلم صديقنا المتعلم أن هناك عارضا مرضيا قد أصاب هذا المصلي ولكنه لم يدر ما به, أهو صرع أم غيبوبة سكر..؟ فأخذ يبحث عمن يستطيع مساعدة المريض وحمله الى المستشفى, وبعد عناء مضن استطاع ان يقنع بعض عمال النظافة بحمل المريض الى خارج المسجد الحرام ونقله الى المستشفى.

وقد استوقفني هذا الموضوع وهذه الحادثة, ولكن قبل أن أبدأ في التحدث عن المشكلة وعلاجها فإنني أود ان اتحدث عن المدينة الترفيهية التي تسمى ديزني لاند او ارض ديزني Disney Land, وهي مدينة يقصدها الناس من جميع أنحاء العالم ليعيشوا فيها أياما للترفيه عن أنفسهم وأهليهم, وفي هذه المدينة الترفيهية تجد فرق الإسعاف وأفراد الجهاز الطبي يتجولون في المدينة يحملون بين أيديهم جوالات خاصة للاتصال المباشر من أي نقطة في هذه المدينة, وهم مدربون خير تدريب وقادرون على الوصول الى أي نقطة في دقائق بسيطة حيث ان المسؤولين في هذه المدينة يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن سلامة أي فرد يدخل هذه المدينة الترفيهية.

انني أكتب هذه الكلمات من قلب الحرم الشريف, البقعة التي فيها أعز وأشرف بيت على وجه الأرض, بيت الله, ويقصدها المسلمون من شتى بقاع الارض لزيارة بيت الله ليعيشوا اياما في الارض المكرمة ويتزودوا وأهليهم من خيرات وبركات هذه الارض المباركة والحرم الشريف والبيت المعظم, وكل زائر من هؤلاء هو أمانة في أعناقنا نحن خدام الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن, وقد أكرمنا الله في هذه الأرض بخيرات عظيمة, وعلى قدر إكرامنا لضيوف الرحمن وحفاظنا على أمانة رعاية الحرم وزائريه تكون مباركة الله لنا ولما أفاء علينا سبحانه من رزق.

وسؤالنا هنا, في حالة إصابة أحد المصلين داخل الحرم المكتظ بالمصلين بمرض طارئ يستدعي الاستجابة الفورية, مثل الإصابة بالذبحة الصدرية, أو الدماغية, أو الصرع, أو غيبوبة السكر, فكيف يتم التعرف على ذلك ومن ثم التعامل مع الحالة بالسرعة المطلوبة لتفادي التبعات الجسيمة؟

هل هناك نظام مدروس يتناسب مع تخطيط الحرم؟

وإن لم يكن هناك نظام مدروس, فلم لانترك لأهل العلم والدراية والبحث في هذا المجال دراسة الموضوع وايجاد النظام الملائم لطبيعة الحرم? فالجامعات تدرس تخطيط المدن الترفيهية والمدن الصناعية وغيرها, اما تخطيط الحرم فلا يدرس في اي جامعة على وجه الأرض, وهناك أمثلة كثيرة تبين بوضوح الفرق بين تخطيط الحرم على غيره من المدن.

انني أنتظر كزائر لبيت الله الحرام أن أرى فرقا طبية متنقلة ترتدي لباسا مميزا لسهولة التعرف عليهم, وأن يكونوا مدربين تدريبا عاليا ومجهزين بأفضل التجهيزات الطبية حتى يتسنى لهم سرعة الاستجابة للحالات الطارئة ومدعومين بنقاط طبية ثابتة مدروسة في الحرم الشريف.

إنها حقا أمانة في أعناقنا, وإذا كان القائمون على مدينة ترفيهية مثل (ديزني) يأخذون الموضوع بجدية قصوى حرصا على سلامة زوارها, فما بالنا نحن القائمين على أجمل مدينة وأعظم بيت وأقدس حرم لانفعل مثلما فعلوا.

 

 

نشر بجريدة عكاظ – الثلاثاء 6 شوال 1423هـ الموافق 10 ديسمبر 2002م