جيل التواصل الإلكتروني

كُرِّست وسائل التكنولوجيا لتسهيل حياة الإنسان اليومية، فأصبحت تحيط به من كل جانب، ومن هذه الوسائل الإنترنت الذي بدأ وسيلة لتناقل المعلومات، فأصبح إدماناً أدى إلى العزلة والهروب من الواقع وانقطاع العلاقة الأسرية.

 

وقد ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني الحديثة في العقد الأخير، لكن ينتابنا الشعور أنها كانت موجودة معنا منذ زمن طويل، فقد أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية. وقد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليؤكد لنا أنها طريقة حياة، فهي بالفعل طريقة حياة جيل التواصل الإلكتروني. هذا الجيل الذي اقترن بوسائل التواصل الإلكترونية يختلف عما سبقه من أجيال، ونظراً لأهمية هذا الجيل وفاعليته في صناعة الحاضر والمستقبل، فقد أجريت دراسات عديدة لفهم متطلباته ولتوجيه طاقته للبناء والتعمير.

 

 وقد خلصت كل هذه الدراسات إلى أن الاستخدام غير المتوازن للإنترنت يصنف بظاهرة الإدمان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

 

من أهم الدراسات الحديثة التي تمت في عالمنا العربي دراسة لشركة “Booz and Co” مع شركة الإنترنت “Google”، وقد شارك في الدراسة 3000 مستخدم من تسع دول تشمل كلاً من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين ومصر والجزائر ولبنان والأردن، والمشاركون تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 35 سنة، وهم يعرفون بجيل التواصل الإلكتروني العربي، وهم في تزايد مستمر، فهم يزدادون سنوياً بنسبة 11% مقارنة بالزيادة العالمية والتي هي 7% فقط في السنة.

 

ومن أهم نتائج المسح والدراسة لهذه الشريحة ما يلي: أن 83% يستخدمون الإنترنت يومياً، 40% يستخدمون الإنترنت على الأقل خمس ساعات يومياً، 61% يستخدمون الشبكة الاجتماعية أكثر من ساعتين في اليوم، 87% يفضلون الإنترنت على التلفاز، بل إن 80% من الشباب يكون أول عمل يقومون به عند قيامهم من النوم هو تفقد هواتفهم الذكية، وهؤلاء يعتبرون فقدان هواتفهم من المصائب الكبرى التي قد تحل عليهم.

 

وقد أوضحت الدراسة تأثير هذا الجيل على المنطقة العربية في مجالات شتى، منها المجتمع والدين والقطاع العام والحكومي والتعليم، فمن أمثلة التأثير على المجتمع أن 44% من المشاركين أوضحوا أنهم يقضون وقتاً أقل في مقابلة أصدقائهم وجهاً لوجه، ووقتاً أطول في التواصل معهم عبر وسائل التواصل الإلكترونية، وهذا غير مستغرب، حيث أصبحت وسائل التواصل الإلكترونية جسراً لمشاركة الإنسان في نشاطات اجتماعية عديدة وتكوين الصداقات مع الآخرين وتبادل المعلومات واستقاء الأخبار بسرعة من مصادر أكثر حرية وصدقا وشفافية، ولا غرابة أن تعدى مستخدمو الفيس بوك وتويتر مئات الملايين حول العالم.

 

أما التأثير على الدين، فبينت الدراسة أن الغالبية العظمى من رجال الدين أصبح لهم مواقع للتواصل الاجتماعي، مما وفر لأي إنسان التعرف على المدارس الدينية المختلفة والتواصل معها بسهولة ويسر، وقد أكد 70% من المشاركين أن وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني زادت من ثقافتهم الدينية وقوت من إيمانهم، وهذا يصحح الاعتقاد الخاطئ بأن الانفتاح على تنوع المدارس الفكرية الدينية قد يؤدي إلى التشويش أو الالتباس أو الشك.

 

وبالنسبة لقطاع الدوائر الحكومية، فقد أكد المشاركون ضرورة تحديث الحكومات العربية لتصبح حكومات ذكية إلكترونياً، ويطالبون باستخدام هذه التقنية لتحقيق الفعالية والشفافية.

 

وبخصوص التعليم، فقد أكد المشاركون في الدراسة عدم رضاهم عما يقدمه التعليم في العالم العربي، سواء كان في أساسيات التعليم أو في تأهيل المعلمين.

 

وقد بينت دراسة في عام 2007 أن دول الخليج حققت أقل نتائج في اختبارات القياس العالمية لمادتي العلوم والرياضيات مقارنة بدول العالم، وأحد عوامل هذه النتائج المتردية هو التأخر في تطوير التعليم الإلكتروني في المؤسسات التعليمية، التي تساهم في مشاركة الأطراف المختلفة مثل الطالب والمعلم في منظومة التعليم، وللأسف الشديد فإن استخدام التكنولوجيا في العالم العربي يضاهي الغرب في وسائل التسلية والمتعة والألعاب الإلكترونية والدردشة، لكنه لا يتعدى 20% من استخدامه في المؤسسات التعليمية مقارنة بمستوى المعدل العالمي، حيث إنه يستخدم فقط 3% في المؤسسات التعليمية العربية، بينما يستخدم بمعدل 16% في دول العالم الأخرى.

 

وبحسب عالمة النفس الأميركية كيمبرلي يونغ، التي تعد من أوائل أطباء علم النفس الذين عكفوا على دراسة ظاهرة إدمان الإنترنت، فإن استخدام شبكة (الإنترنت) لأكثر من 38 ساعة أسبوعياً يعد إدماناً قد يؤدي بصاحبه إلى نتائج خطيرة. وقد عزت الدكتورة كيمبرلي يونغ أسباب إدمان الإنترنت لعدة عوامل أهمها السرية التي يوفرها الإنترنت في الحصول على المعلومات التي توفر شعوراً عارماً بالسيطرة، إلى جانب ذلك فالإنترنت وسيلة مريحة للغاية، فهو متوفر في كل مكان، إضافة إلى أنه يوفر الهروب من الواقع إلى واقع بديل.

 

 ومن الممكن للإنسان الذي يفتقر إلى الثقة بالنفس أن يصير الشخص الذي يتمناه، ويجد الإنسان الانطوائي لنفسه أصدقاء، ويستطيع كل إنسان أن يتبنى لنفسه هوية مختلفة وأن يحصل من خلالها على كل ما ينقصه في الواقع اليومي والحقيقي مما يؤدي إلى إدمان الإنترنت.

 

ومن أهم أعراض هذا الإدمان: إهمال الواجبات الاجتماعية والأسرية والوظيفية بسبب استعمال الشبكة؛ فيفقد المدمن الإحساس بالوقت حين يكون متصلاً بالإنترنت، بل ويشعر بتوتر وقلق شديدين في حالة وجود أي عائق للاتصال بالإنترنت، وقد يصل ذلك إلى حد الاكتئاب وهذه ذروة إدمان الإنترنت.

 

وهناك العديد من المشاكل التي يتعرض لها الإنسان عند إدمان الإنترنت، منها مشاكل صحية، مشاكل نفسية، مشاكل أسرية واجتماعية، مشاكل في العمل، فمن المشاكل الصحية أن مدمن الإنترنت قد لا ينام، فهو يقضي معظم إن لم يكن كل ساعات الليل في استخدام الإنترنت ولا ينام إلا قليلاً، مما يسبب له الإرهاق الشديد ويؤثر سلبياً على العينين ويصيبه بأمراض الظهر نتيجة كثرة الجلوس بوضع ثابت وهو يستخدم الإنترنت، كما أن هناك بعض الأضرار التي تصيب الأيدي من الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، ثم الأضرار الأخرى مثل البدانة وما تسببه من أمراض مرافقة.

 

إن لكل إدمان علاجاً.. والعلاج الذي يأتي من إيمان ويقين صادقين خالصين من داخل النفس هو ما سيدوم أثره بإذن الله. ولا يعني الحديث عن ظاهرة إدمان الإنترنت التوقف عن استخدامه، بل الاستخدام المعتدل لهدف محدد يعينك على إتمام مهامك، ووضع ضوابط وحدود لاستخدامه من الآباء لأبنائهم خصوصاً في الفترة الحرجة من حياتهم.

 

إن العالم الذي نعيش فيه يتغير بسرعة وإننا نعاصر ظهور جيل جديد له تطلعاته وتوقعاته، فإن فهمنا هذا الجيل واستطعنا تلبية تطلعاته وتوقعاته أخرجنا منه خير ما فيه، ووجهنا طاقاته في بناء المجتمع، وإن لم نفعل فإن الثمن سيكون باهظاً إما بإهدار طاقاتهم بالإحباط، وإما أن تنحو منحىً سلبياً يضر بهم وبمجتمعاتهم، وبذلك تنقلب الطاقة من طاقة إصلاح إلى طاقة إفساد.

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=17493