رسالة طبيب لأهل غزة.. ولبقايا الإنسانية في العالم

في وجه جرائم الإبادة ضد الأطفال والنساء والرجال المدنيين، والتي يصر البعض على تسميتها (عمليات عسكرية مشروعة)، وفي وجه تجريم الضحية وتبرئة المحتل، وفي وجه بعض وسائل الإعلام التي تتعمد اغتيال الحق والحرية، تتزايد وتيرة قطاعات وشرائح عديدة داخل الإعلام الغربي لتوثق جرائم إبادة ضد الإنسانية، ونجد أشهر وأرقى المجلات الطبية العالمية The Lancet تنشر في عددها الصادر هذا الشهر خطاباً موقعاً من أطباء مرموقين، ويمثل توجه المجتمع الطبي الإنساني تجاه أحداث غزة .. وإليكم ترجمة الخطاب وهو بعنوان (رسالة مفتوحة لأهل غزة).


نحن أطباء وعلماء سخرنا حياتنا من أجل تطوير وسائل تُحسن من الحياة وتحافظ عليها، ولننشر الوعي بأخلاقيات مهنتنا وممارستها، وقد عمل بعضنا في غزة ونعلم جميعنا بأوضاعها منذ سنوات، وانطلاقا من أخلاقياتنا وشرف مهنتنا، فإننا نشجب ما شهدناه من عدوان إسرائيلي على غزة، ونناشد زملاءنا في المهنة، كبيرهم وصغيرهم، بالتنديد بالعدوان الإسرائيلي، كما ونتحدى التضليل المتعمد والدعاية الكاذبة التي تبرر خلقَ حالة طوارئ ترتكب خلف ستارها المجازر. فما أطلق عليه (العدوان الدفاعي) ليس إلا اعتداء شرسا لا يحد من قسوته زمن ولا خطوط حمراء. لذا نرغب في كشف الحقائق وأثرها على حياة الناس تماماً كما نراها.


يشلنا الهلع من هذا الهجوم العسكري الشرس على سكان غزة العُزل بذريعة معاقبة الإرهابيين. وهو ليس بالعدوان الأول من نوعه، بل سبقه هجومان دمويان منذ عام ٢٠٠٨. وفي كل مرة يدفع الأبرياء ضريبة الموت وأكثرهم من النساء والأطفال، مقابل ادعاء إسرائيل سعيها للقضاء على الأحزاب السياسية والمقاومة ضد الاحتلال والحصار الذي تفرضه على قطاع غزة.


ولكن ما يحدث يطال الجميع ويترك جروحاً تنال من الروح والعقل وهمة الشباب. وما يضاعف اشمئزازنا وإدانتنا للهجوم، هو التعنت المستمر في منع المساعدات من دخول غزة والتخفيف من مصابها، حيث تم تشديد الحصار على غزة منذ العام الماضي، ما أسهم في تدهور حالة سكانها، حيث يصارع أهلها، إضافة إلى القصف والتفجيرات، الجوع والعطش والنقص الحاد في الأدوية وانقطاع الكهرباء واليأس من توفير لقمة العيش. إن هذا الحصار المستمر كان سبباً مباشراً وغير مباشر في إحداث أزمة الطاقة ونقص الوقود وندرة الماء والغذاء وتسرب مياه الصرف الصحي والتناقص المتواصل في الموارد.
وكانت غزة وما زالت ترزح تحت الحصار البري والبحري منذ عام ٢٠٠٦. ويعلم جميع أهل غزة بمصير من يغامر خارج طوق الحصار، فالصياد البسيط الذي يتعدى ثلاثة أميال من سواحل غزة يُقابل بطلقات سلاح البحرية الإسرائيلية. ولا يستطيع سكان غزة المغادرة عن طريق معبر رفح أو إيريز بدون تصريح خاص من قبل إسرائيل ومصر وهو ليس بالأمر السهل على الغالبية إن لم يكن مستحيلاً. ويبقى من يسكن غزة معزولاً وغير قادر على السفر للدراسة أو العمل أو زيارة أهله. ولا يتمكن المصابون والمرضى من السفر للحصول على العلاج المتخصص خارج غزة. كما فُرضت القيود على دخول المساعدات الغذائية والدوائية وحظر العديد من المواد الأساسية. وقد كان مخزون غزة من الأدوية متدهوراً من قبل بدء العدوان الأخير وذلك نتيجة للحصار، أما الآن فقد نضب هذا المخزون تماماً. كما أصيبت حركة التصدير بالشلل فلا تستطيع غزة بيع محاصيلها الزراعية تحت الحصار، كما تعاني الزراعة الخسائر بسبب فرض المنطقة العازلة، مما يجبر ٨٠٪ من سكان غزة على أن يعتمدوا كلياً على الحصص الغذائية من منظمة الأمم المتحدة.


وأكدت وزارة الصحة في غزة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ١٤٩ من عدد القتلى الذي بلغ ٥٥٨ و١١٠٠ من الجرحى الذين وصل عددهم ٣٥٠٤ هم من الأطفال. بينما يظل عدد من هم تحت الأنقاض مجهولاً حتى الآن. وأثناء إعدادنا لهذه الرسالة نشرت البي بي سي خبر قصف مستشفى آخر وإصابة وحدة العناية المركزة بالتحديد وغرف العمليات ومصرع العديد من المرضى والعاملين وسط مخاوف من استهداف مستشفى الشفاء أيضاً. هذا بالإضافة إلى الصدمة النفسية التي يعاني منها سكان غزة، فهذا هو العدوان الإسرائيلي الثالث الذي يعيشونه في مدة لا تتجاوز ستة أعوام.
إن مجزرة غزة لا تستثني أحداً، لا المرضى على أسرة المستشفيات ولا ذوي الاحتياجات الخاصة ولا الأطفال الذين يلعبون على الشاطئ أو على أسطح المنازل، وغالبية ضحاياها لا يحملون السلاح. كما استهدفت المستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس ومباني وكالات الإعلام. مع استهداف علني للمنازل الخاصة والقضاء على أسر بأكملها داخل منازلهم وتشريد أسر أخرى بتحذيرات تسبق الهجوم بدقائق قليلة. وظهر آلاف اللاجئين والجرحى بعد تدمير شامل لإحدى المناطق في العشرين من يوليو الذي كانت حصيلة القتلى فيه سبعين مدنياً مما يفوق أي تقدير لادعاءهم البحث عن أنفاق. فلا يوجد أي هدف عسكري في المنطقة المنكوبة، إنما الهدف الرئيس من الهجوم هو بث الرعب وهزيمة الروح قبل الجسد وجعل الحياة أمراً مستحيلاً في أعين الناس عبر هدم منازلهم ومنعهم من إعادة البناء.
وتستخدم القوات الإسرائيلية أسلحة معروفة بضرر طويل الأجل على صحة البشر، خاصة القنابل الفراغية والقنابل ذات الرؤوس المتشظية والمسمارية. وشهدنا بأنفسنا استهداف الأطفال وفشل الأسلحة الذكية في الإصابة الدقيقة إلا إذا كان الهدف تدمير حياة الأبرياء، ونحن نشجب ما تروج له إسرائيل عن كون هذا العدوان يصب في مصلحة إنقاذ حياة المدنيين ويهتم بمصلحة الأطفال.
إن سلوك إسرائيل مهين للإنسانية والعقل والكرامة، ومهين أيضاً لأخلاقنا المهنية وجهودنا، فلا يسمح لمن يريد منّا المساعدة بالوصول إلى غزة بسبب الحصار.


أما إذا اتضحت صحة استخدام القوات الإسرائيلية للغاز وهو جريمة حرب، فإننا نطالب بفرض أقوى العقوبات الدولية ووقف التعاون الأوروبي والتجاري مع الدولة الإسرائيلية.


وبينما نكتب هذه الرسالة، يقبع زملاؤنا من العاملين في الخدمات الطبية الطارئة تحت التهديدات والمذابح الجديدة، وتُمنع قوافل الأطباء الدوليين من الدخول وتقديم المساعدة. ولا نستطيع كأطباء وعلماء التزام الصمت أمام ما يحدث من جرائم متواصلة ضد الإنسانية. كما ونحث من يقرأ الآن على كسر الصمت. فغزة المحاصرة تُذبح على يد أكبر وأقوى وأحدث الآليات العسكرية. وتُسمم أرضها ببقايا الأسلحة المحرمة التي ستبقى آثارها لتتحمل عواقبها الأجيال القادمة. إن كل من يستطيع شجب ما يحدث ويختار رغم ذلك الصمت على جرائم الحرب يجعل من نفسه شريكاً في تدمير وتشريد 1.8 مليون إنسان في غزة.
ويحزننا أن نسجل وقفة 5% فقط من زملائنا في الأكاديمية الإسرائيلية ممن وقعوا بياناً يناشد حكومتهم بوقف العدوان العسكري ضد غزة. كما لا نغفل عن تواطؤ بلداننا “أوروبا وأميركا الشمالية” في هذه المجزرة وعجز الهيئات والمنظمات الدولية عن إيقافها“.


انتهت ترجمة الخطاب..


حقاً .. ليس بالضرورة أن تكون مسلماً لتقف مع غزة.. تحتاج فقط أن تكون إنساناً.

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه:

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=22329