علاقتنا بالماء.. حماية وشكر ورعاية

 

الماء معنا في كل ثانية من حياتنا، بل هو حجر أساس الحياة، نستخدمه في كل شيء من الزراعة إلى الطاقة الكهربائية، لكنه يعمل خارج جميع القوانين الفيزيائية للطبيعة. شاء الله أن يجعـل من الماء كل شيء حي، فمـن الماء خُلق البشر وخلقت الكائنات الحية جميعاً. وهو يشكل ما بين 70% إلى 90% من جميع الخلايا الحية، أفلا نتوقع أن يكون في الماء شيء من سر الحياة؟


بدون الماء يموت الإنسان، بل إن أي نقص في كمية الماء داخل جسمك سيؤثر فيك سلباً. فقد بيّنت الدراسات أنه لو نقصت كمية السوائل في جسمك بما يعادل نصف لتر فإن هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر والضغط) يرتفع، مما يؤدي إلى ارتفاع دقات القلب وسرعة التنفس وفقد كمية أكبر من السوائل ليصاب الجسم بالجفاف، وبالتالي مضاعفة زيادة نسبة إفراز هرمونات التوتر والضغط، فيدخل الإنسان في دائرة مغلقة ليعاني من أعراض مثل الإرهاق والتعب والصداع.


ووجد كذلك أن انخفاض كمية السوائل في الجسم بما يعادل 2% فقط يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الذاكرة قصيرة المدى وضعف في القيام بمسائل حسابية أساسية، وصعوبة التركيز على الكمبيوتر أو الكتاب الذي أمامك، بل إن أهم سبب للإحساس بالإرهاق والتعب أثناء النهار هو نقص السوائل بالجسم. وقد وجدت الأبحاث أن 75% من الناس يعانون من حالة نقص مزمن للسوائل وجفاف بسيط، علماً بأن مجرد وجود نقص بسيط في سوائل الجسم يؤدي إلى إبطاء العمليات الأيضية في الجسم كله بما يعادل 3%.


وبما أننا نفقد الماء بصورة مستمرة (بالتبخر عن طريق الجلد وكذلك بالتنفس والتبول) فلا بد من تعويض الفاقد بطريقة مستمرة. وفي أي لحظة يكون فيها الفاقد أكثر من الداخل يحدث الجفاف، بل وجد أن37% من الناس تكون حاسـة العطـش عندهم ضعيفة ويقرؤها الجسم بأنها جوع وليست عطشاً. وأكبر خطأ يقع فيه الكثيرون أنهم يعتمدون على حاسة العطش لتخبرهم متى يتناولون السوائل، والخطأ في ذلك أنك عندما تشعر فإنه يعني أنك وصلت إلى مرحلة الجفاف، فهناك فترة زمنية بين فقدان السوائل وإدراك الدماغ باحتياجك للسوائل وتفعيل حاسة العطش. والذي يفاقم من وضع هذا الجفاف المزمن أن شريحة كبيرة من المجتمعات العربية استعاضوا عن الماء الذي لا طعم له ولا رائحة بمشروبات أكثر إثارة مثل الشاي والقهوة والمشروبات الغازية المحتوية على الكافيين، وكثيرون لا يدركون أنها مشروبات مدرّة للبول، أي أنها تفاقم حالة الجفـاف المزمن الذي يعاني منه 75% من البشر حول العالم.


وتشير الدراسات إلى أن كثيراً من الأمراض التي نعاني منها، كالصداع والآلام المزمنة واضطرابات الجهاز الهضمي والتهاب المفاصل، ما هي إلا صرخات استغاثة من الجسم بسبب نقص الماء، بل وتتحسن مباشرة بشرب السوائل. فالماء هو المسؤول عن تحقيق التوازن في سوائل الجسم، وهذه السوائل تتحكم في وظائف الجسم من الجهاز الهضمي والدورة الدموية ونقل المواد الغذائية لكل أعضاء الجسم والمحافظة على درجة حرارة الجسم المثالية والتخلص من المواد السامة في الجسم.


وعندما يدخل الجسم حالة الجفاف، فإن جميع أعضاء الجسـم تعاني بما فيهـا الدماغ، وهذا يؤدي إلى الضغط والتوتر، وقد يساهم كوب أو كوبان من الماء في تخفيف هذا الضغط على الجسم، بل إن مجرد جريان الماء على بشرة وجلد الإنسان له فوائد عظيمة، وأبسطها وأكثرها وضوحاً القدرة العجيبة التي وضعها الله في الماء بقتله البكتيريا والجراثيم، سواء كان الماء بارداً أو ساخناً، حيث إن الماء يقتل الميكروبات بانتقال الطاقة الحرارية المخزونة داخل الماء، والتي هي جزء من تكوين الماء بغض النظر إن كان بارداً أو حاراً، وتنتقل هذه الطاقة من الماء إلى داخل خلايا البكتيريا فتعطل البروتينات التي تحتاجها البكتيريا لتقوم بمهامها.


وقد أكدت الدراسات أن درجة الحرارة لا تهم عندما تغسل يديك لتنظيفهما من الميكروبات، لكن المهم هو أن تفرك يديك ببعضهما تحت الماء لمدة عشرين ثانية على الأقل، وهو الوقت اللازم لقتل هذه الميكروبات، علماً أن غسل اليدين جيداً هو أول وأهم خط دفاع ضد الميكروبات التي تصيب الإنسان بكثير من الأمراض المعدية السائدة، سواء من إنسان لآخر أم من إنسـان لنفسه، ولذلك قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إذا استيقـظ أحـدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا“.


والماء كذلك يقتل الميكروبات في كل أجزاء الجسم، فقد أثبتت دراسات أن الذين يتوضؤون باستمرار ويؤدون الاستنشاق بطريقة صحيحة تخلو أنوف غالبيتهم من أي نوع من أنواع الميكروبات في الفحص الميكروسكوبي، في حين أن أنوف الذين لا يستنشقون الماء، وجد فيها أنواع متعددة من الميكروبات وبكميات كبيرة، خاصة العنقودية شديدة العدوى منها.


وأكدت الدراسات المقارنة أن نسبة التخلص من الجراثيم الموجودة في الأنف تزداد بعدد مرات الاستنشاق، وهي مدخل الميكروبات للجهاز التنفسي، وكذلك الحال في كل جزء من أجزاء الجسم تؤدي ملامسة الماء له لقتل هذه الميكروبات.


ومجرد ملامسة الماء لجلد الإنسان لها آثار إيجابية وعلاجية وشفائية، وهو ما يسمى بالعلاج بالماء الذي استخـدم على مدى آلاف السنين، حيث تنقل شعيرات الأعصاب الدقيقة الموجـودة على سطح جسم الإنسان طاقة الماء لتحسين الدورة الدموية، وبذلك تحسن عمل أعضاء الجسم الداخلية وتخفف الإحساس بالآلام وتحث على إنتاج هرمونات مضادة لهرمونات الضغط والتوتر في الجسم، فالماء الدافئ مهدئ ومسكن لنشاط الأعضاء الداخلية بالجسم، والماء البارد منشط ومحفز ومنعش، وهناك أمراض كثيرة جداً تعالج بالماء.


الماء من أعظـم نعم الله علينا، ولا بد أن تكون علاقتنا به علاقة حمايـة ورعاية وشكر وعبادة لله بحسن استخدامه لما فيه من خصائص إحياء وعلاج وطاقة وشفاء، فمن صور الحماية والرعاية استخدامه فيما فيه صلاحك ونفعك وألا تهدره.


ويربينـا الرسـول الكريم صلى الله عليه وسلم على هذا النهج فيقول: “لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار”، وأن تسخر هذه النعمـة لخيرك ونفعك في الطهارة والنظافة، وأن تحمد الله على نعمة الوضوء خمس مرات في اليوم، وأن تحسن وضوءك من غسل الكفين والوجه واليدين والقدمين والاستنشاق لتجني ثمار هذه النعمة العظيمـة، وألا تثق بحاسة العطش، لأنهـا دائما تكون متأخرة، وأن تحرص على أن تحمي نفسك من نقص السوائل والجفاف المزمن الذي انتهى إليه 75% من سكان العالم لإهمالهم شرب الماء بالكميات المطلوبة.

 

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=16840