عَلى مَن سَتُقام الحُجَّة

كثر من يسألونني لم أقللت من كتابة المقالات بعد أن كان لك مقال اسبوعي كل ثلاثاء على مدى عقدين من الزمن؟. وكلما أُسأل هذا السؤال أُشير إلى مقالي الذي كتبته قبل أكثر من أربعة أشهر بتاريخ 12 فبراير 2008م، وعنوانه “إلى كل صاحب قلم وقرائي الأعزاء”.

وخلاصة الموضوع هو أن قيمة القلم تكمن في مدى قدرته على البناء والإصلاح، وان القلم في يد المخلص المتجرد وقضية البناء والإصلاح هي معادلة متكاملة تتكون من أطراف عدة لا تكتمل المعادلة إلاَّ بها جميعاً ولا يتم التفاعل المرجو والمنتج المؤمل بغياب معظم عناصر المعادلة، وكل عنصر من عناصر هذه المعادلة يعكس وضع المجتمع بأبعاده الاقتصادية والتعليمية والاخلاقية والتربوية والسياسية والاجتماعية.

قد وجدت بل تيقنت أن معركة التغيير الحالي تقتضي إخراج النماذج الحية المتحركة العاملة عملاً مرئياً ملموساً على أرض الواقع لا في الخطب ولا المحاضرات ولا المقالات ولا المواعظ.

يأتيني القائل فيقول ولكن الخطب والمحاضرات والمقالات والمواعظ هي كلها أدوات من أدوات التغيير فأقول لهم … فلتكن لغيري فقد آثرت عليها طريقاً أسرع وأمضى .. والعمر أغلى من أن يهدر حبراً على ورق صحف إن فتح الله لعبد طريقاً بأن يجعل في كل يوم من عمره أعمالاً على أرض الواقع .. ورب موقف واحد كل يوم تتجلى فيه لغة السماء والمعاني السامية العظيمة خير من مقال كل يوم يقرأه عشرات الآلاف ويذهب أدراج الرياح بانتهاء قراءة المقال.

ولكي أُثبت ما أقول لقرائي الأعزاء فانني سأكتب عن موضوع كتبت فيه على مدى عشر سنوات، وكتب فيه عشرات الكتاب على مدى عقد من الزمن أو يزيد .. ألا وهو موضوع التدخين السلبي، وهو استنشاق التدخين من قِبل غير المدخن لمجرد مجالستهم لمدخنين …

واسهبنا في التحدث وتفصيل الآثار الوخيمة والخطرة الناجمة عن ذلك وفصلنا في القاعدة الشرعية “لا ضرر ولا ضِرار”، والذي من أجله مَنعت بل أقول حرَّمت كثير من دول العالم المتحضر التدخين في الأماكن العامة، ونجحت هذه الدول في تطبيق ذلك على أرض الواقع .. نعم نجحوا في تطبيق قانون تحريم التدخين في الأماكن العامة، ونحن فشلنا في تطبيق ما حرمه الشرع.

في الغرب بدأت بأقلام المخلصين بناءً على الأبحاث والدراسات واستجابة المسؤولين الذين وضُعوا في مناصبهم لحماية المصالح العامة، ونحن بدأت من فوق سبع سماوات وجاء العلم يدعمها وولي الأمر يعضها بمرسوم ملكي بمنع التدخين في الأماكن العامة مثل المطارات “وان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وبعد كل هذا فشلنا في تطبيقة على أرض الواقع، ولكن في بلادنا انتهاك صارخ لحق الإنسان وهيبة القانون وللمرسوم الملكي، فمطار جدة يعج بالمدخنين الذين لا يبالون بكل ما سبق حتى ان طاولات المقاهي يوضع على كل منها طفاية سجائر وكذلك الحال حتى في المكتب التنفيذي الذي يدفع المواطن فية مبالغ إضافية عالية جداً من أجل الحصول على خدمة خاصة ..

هل لي أن أسأل كإنسان في هذا البلد أين ذهب حقي في إستنشاق هواء نقي ونظيف خالي من السموم وأين ذهب تطبيق قاعدة “لا ضرر ولا ضِرار”؟.
هل لي أن أسأل كمواطن في هذا البلد يهمه أن يكون لقانون بلاده احترامه أين ذهب احترام القانون؟.
هل لي أن أسأل كمواطن في هذا البلد أعطى البيعه لولي أمره ويهمه أن تبقى للحاكم والمسؤول وولي الأمر هيبته أين ذهبت هيبة المرسوم الملكي؟

حتى المكتب التنفيذي تدخل على الموظف وهو على عمله يرفع بصره إليك وهو يدخن وينفث سموم دخانه في وجهك دون احترام لحق الإنسان الذي أمامه أو خوف من قانون أو حرص على طاعة ولي أمره.

فان كان هذا شأن الموظف في المكتب التنفيذي الذي يتعامل مع طبقة المجتمع ذوى الدخل المرتفع والمناصب والطبقة المتعلمة المثقفة من أهل البلد والزوار لهذا البلد الكريم فكيف يكون شأن غيره من الموظفين مع بسطاء المجتمع وضعفائه؟!.. وقد يكون فيهم مريض بالربو أو أحد الأمراض الآخرى ويؤدي التدخين السلبي للهلاك.

لا أقول عشرات الكتاب بل أقول مئات الكتاب كتبوا في هذا ويكتبون على مدى سنوات وسنوات ولكن لا حياة لمن تنادي.

في مقال نشر قبل أكثر من شهرين كتب الأستاذ خالد السليمان مقالاً في جريدة عكاظ بعنوان “دخن .. فأنت في المطار” يصف الحال المزري والانتهاكات الصارخة لهيبة القانون وحقوق الإنسان وكيف أن إدراة الطيران المدني تلقي بالمسؤولية على الجهة المكلفة بحماية وإدارة أمن المطارات، وقد ضاعت المسؤولية.

أي سخرية هذه بالقانون والشرع وحقوق الإنسان.

إذا عجز المسؤولون عن تطبيق قانون له مثل هذا الدعم فأي قرار هم قادرون على تنفيذه؟..

انني سأقولها وكلي حسرة وألم ولكن خبرتي مع التغيير في بلادنا الغالية يجعلني أخشى أن أدخل المطار والمكتب التنفيذي بعد اسبوعين ان شاء الله وأجد المسؤولين مازالوا يدخنون والوضع كما هو كأن شيئاً لم يحدث لأن الجهات التي عجزت عن تطبيق قانون ومرسوم ملكي على مدى أعوام ومئات المقالات هل ستنجح في القضية الآن؟.

وانني والله أتمنى أن أكون مخطئاً هذه المرة ولكن تاريخي الطويل مع التغيير في بلادنا أوصلني إلي مثل هذا النوع من الكتابة، وانني والله سأكون في غاية الفرح والسعادة لو كنت مخطئاً ووجدت التغيير قد تم والإصلاح قد عمَّ في هذه القضية.

وسأصعد الطائرة لأكتب مقالاً آخر لأعلم القراء الكرام بما رأيت وعندها إما أن أعتذر وأقول انني كنت مخطئاً وقد تم التغيير والحمد لله، وإما أن أردد قول النبي الصالح لقومة “يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين”.

عكاظ   لقراءة المقالة من صحيفة عكاظ الرجاء الضغط على الرابط أدناه

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20080715/Con20080715209876.htm