كيف تُبنى الأمم

قرأت منذ فترة قصة واقعية أحببتُ أن تشاركوني اياها لما فيها من عبرة، نحن أحوج ما نكون إليها على مستوى الأفراد والمجتمعات.

 

في شهر ديسمبر لعام 1914م دمّر حريق كبير معمل العالم والمخترع توماس اديسون. وبالرغم من أن الخسارة تجاوزت مليوني دولار إلا إن البناية بأكملها لم تكن مؤمنة بأكثر من 238 ألف دولار فقط، وذلك لأنها كانت مبنية من الحجارة والأسمنت القوي فظن اصحابها انها لاتحترق بسهولة. ولكن في ليلة واحدة من شهر ديسمبر من ذلك العام احترق معظم أبحاث ودراسات واعمال أديسون التي أمضى عمره في تحقيقها.

 

وفي أوج الحريق وعندما وصل الى مرحلة لا يُمكن إيقافه، وصل ابن اديسون (اسمه تشارلز) الى موقع الحريق فأصابه الجزع وأخذه الرعب عندما رأى الحريق، فراح يبحث عن أبيه بين الانقاض والدخان، ووجده أخيرا جالساً ينظر بهدوء وسكينة الى هذا المنظر المهول ووجهه ُيضيء نتيجة انعكاس الضوء الصادر من الحريق وقميصه الأبيض يتطاير مع الرياح.

 

يقول تشارلز -وهو يصف حاله- عندما رأى اباه على هذه الحالة: لقد تفطر قلبي لرؤيته، فهو لم يعد شاباً وقد جاوز السابعة والستين من عمره، وها هو يجلس ناظراً الى حصيلة عمره تحترق أمام عينيه، ولكنه عندما رآني سألني : أين والدتك يا تشارلز؟ وعندما أخبرته اني لا أدري، قال لي: أذهب وأبحث عنها وائت بها سريعاً، فإنها لن ترى أي شيء مثل هذا في حياتها.

 

وفي اليوم التالي وقف اديسون على انقاض الحريق وقال: أن هناك قيمة عظيمة في هذه المصيبة، فجميع أخطائي قد احترقت، وبفضل الله وعونه استطيع أن أبدأ اليوم بداية جديدة.

 

بعد ثلاثة أسابيع فقط من الحادث نجح اديسون البالغ من العمر سبعة وستين عاماً أن يصنع وينتج أول مسجل صوتي، وتلته اكتشافات واختراعات عديدة انتفعت بها البشرية قاطبة.
 

نعم ان هناك فوائد عظيمة نستطيع ان نتعلّمها من الحوادث المؤلمة والكوارث والنكبات والنكسات بجميع صورها على مستوى الأفراد والمجتمعات، إذا توفّرت لدينا العقلية والنفسية اللازمة لذلك.
 

فالابتلاءات من سنن الله في الأرض على عباده، وعندما تضيق الأمور وتتبدل الأحوال وينظر البعض الى ما يحدث حولهم من دمار وضياع للثروات والمدخرات فيشعرون بالحزن والاحباط، وآخرون يشعرون بالغيظ والغضب والاختناق، وآخرون لا يبددون طاقاتهم في الحزن أو الإحباط أو الغضب أو الاختناق، وإنما يعملون في جميع الحالات، فهم يعلمون ان الثروات لاتصنع الرجال، وإنما بالرجال تُصنع الثروات، وتنهض المجتمعات وتسود الأمم "ولئن تضيء شمعة واحدة خير لك من أن تلعن الظلام".

 

استعن بالله ولا تعجز..