من المسؤول عن صحة المواطن؟

ماذا يعني أن أكون مسؤولاً عن صحة المواطن في أي بلد؟ وماذا يعني أن أسعى وأعمل من أجل صحة المواطن أو صحة الإنسان في أي دولة أو أي قُطر أو أي مكان كان؟ عندما نتحدث عن صحة الإنسان، فإننا نتحدث عن صحته وسلامته بالمفهوم الشمولي للصحة، جسداً وعقلاً ونفساً وروحاً، صحته الجسدية.. صحته العقلية.. صحته النفسية والروحية.

 

ولا يمكن بأي حال، أن يتقلص مفهوم الصحة ويختزل في الصحة الجسدية، لكن هذا للأسف الشديد يحدث في كثير من الدول التي يكون جُلّ عملها وتركيزها على الصحة الجسدية، وعندما تُذكر كلمة الصحة أو يُسأل مسؤول عن مستوى الرعاية الصحية في البلاد، تكون الإجابة خير دليل على غياب مفهوم الشمولية، فتكون الإجابة غالبا بذكر عدد المستشفيات والأسرة والعمليات الجراحية المتقدمة والمعدات والتقنيات الحديثة والعيادات والمراكز الأولية والمراكز التأهيلية وبعض البرامج الوقائية، مثل برامج مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية والتطعيمات وبعض البرامج التوعوية هنا وهناك.

 

بينما صحة الإنسان والسعي إلى تحقيق منتج إنساني صحيح (إنسان صحيح جسداً وعقلاً وروحاً) يتطلبان أكثر من ذلك بكثير، وهذا هو التعريف الشمولي للصحة من منظمة الصحة العالمية منذ عقود مديدة، (الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض الجسدي والعجز)، وبذلك فإننا للوصول إلى المفهوم الشمولي للصحة المتوازنة، وجب علينا الدمج بين الجوانب المختلفة للإنسان جسمانياً ونفسياً وعقلياً وروحياً، وبذلك فمن صحة الإنسان، حماية الأطفال (رجل وامرأة الغد)، وكذلك الأمهات من العنف الأسري والتعذيب الجسدي أو النفسي، ومن التعنيف اللفظي في البيت والمدرسة والشارع.

 

ويمتد مفهوم الصحة ليشمل حماية المراهقين من الانحراف والسقوط فريسة لإدمان الخمور والمخدرات، أو الممارسات الجنسية خارج الإطار الشرعي، والإصابة بالأمراض الجنسية الفتاكة المدمرة للإنسان، جسداً وعقلاً وروحاً، وحماية الأطفال والمراهقين من أن يقعوا فريسة لشركات التبغ، لتجعل منهم مُسْتَهلِكاً مُسْتَهلَكاً، مدمناً مدى الحياة. وتوفير بيئة آمنة تتبع أعلى معايير السلامة في البيت والعمل والأماكن العامة.

 

ويعني مفهوم الصحة أيضا.. توفير بيئة نقية صحية خالية من الأوبئة وما يساعد في انتشارها، من مستنقعات وسوء التعامل مع النفايات والقاذورات، وتوفير حق الإنسان في استنشاق هواءٍ نقيٍ صحيٍ خالٍ من سموم الدخان الذي يخرج من أفواه المدخنين (التدخين السلبي) أو أفواه مداخن التحلية أو المصانع أو عادم السيارات. كما يعني أيضا توفير مياه شربٍ نظيفةٍ نقيةٍ خاليةٍ من الأمراض، بالإضافة إلى توفير صرف صحي للتخلص منها بأحدث الطرق، لا أن تُلقى في البحر، فتلوث الماء والهواء، أو تطفح في البيوت فتسبب الأمراض.

 

وتحقيق صحة الإنسان في أي مجتمع يقتضي كذلك التأكد من سلامة المواد الغذائية التي يصرح بدخولها إلى البلاد، وطريقة حفظها وخلوها من المواد السامة أو المواد المشعة، وغيرها من المواد الضارة بصحة الإنسان.

 

وتحقيق صحة الإنسان في أي مجتمع يقتضي، أيضا، السعي لحماية الإنسان من الضغوط النفسية التي تنشأ من خوف غير مبرر لمن لم يخالف شرعاً أو قانوناً.. هذا الخوف الذي يستعمل كأداة في المجتمعات المستبدة، لا من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولا من أجل تحقيق الشرع وإرساء العدل، وإنما لقبول واقع غير عادل.

 

وتحقيق صحة الإنسان في أي مجتمع يقتضي فيما يقتضي، حفظ كرامة الإنسان بتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في الحياة، لتكون مبنية على المثابرة والعمل والجد والاجتهاد وإرساء العدل بين أفراد المجتمع، فالظلم بشتى أشكاله وأنواعه مدمر لأي مجتمع، وقد حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده.. قال تعالى في الحديث القدسي (يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا..). وكم من الأفراد يصابون بأمراض نفسية وعقلية وجسدية نتيجة ظلم وقع عليهم، فوقعوا هم فريسة سهلة للمرض، بل والموت قهراً.

 

ويضاف إلى كل ما سبق أن تحقيق صحة الإنسان في أي مجتمع يقتضي، كذلك، أن تُوفر لهذا الإنسان مقومات الحياة الأساسية، من المأكل والمشرب والمسكن والمواصلات ووسائل النقل العامة، فليس أشد من الفقر فتكاً بالإنسان، جسداً وعقلاً وروحاً.

 

 

ولذلك قال الإمام علي، رضي الله عنه:(لوكان الفقر رجلاً لقتلته). وأوقف الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، حد السرقة (قطع اليد) في عام الرمادة. فالفقر والجوع يرغمان الإنسان أن يفعل ما ليس عادة منه ولا طبعا فيه، فيسرق الشريف الأمين ليطعم عياله وأولاده. وليس أشد وطأة على نفسية وعقلية الفقير من أن يعيش فقراً مدقعاً في مجتمعات غنية، وهو لا يجد قوت يومه.

 

بل إن مفهوم علاج المرض هو مفهوم قاصر، والمفهوم الصحيح هو شفاء الإنسان، وهناك فرق كبير بين أن تعالج مرضاً أو أن تكون وسيلة شفاء للإنسان جسداً وعقلاً وروحاً.

 

 

إن الدول التي ما زالت تنظر لصحة مواطنيها وتُحَجِّم دور مسؤوليها في مفهوم العلاج للمرض وبعض برامج الوقاية والتوعية، هنا وهناك، تحتاج مراجعة دور المسؤول في وزارة الصحة. تحتاج أن تضع تصوراً شاملاً.. ما الذي تريد أن تصل إليه بعد عقد أو عقدين من الزمن؟ ما تعريف صحة المواطن لديها، بما يشمله جسداً وعقلاً وروحاً؟ على أن تضع خطة عمل شاملة    (Master plan )  وخريطة عمل تشارك فيها كل الوزارات في الدولة، من وزارات الصحة والعمل والعدل والداخلية والشؤون الاجتماعية والبلدية والقروية والإسكان والإعلام والمياه والتجارة والمالية والنقل، ووضع المعايير الخاصة بقياس مدى التقدم أوالتأخر في تحقيق الأهداف والغايات، وتأثير ذلك على صحة المواطن جسداً وعقلاً وروحاً، وإصدار أرقام ومعدلات قياس واضحة يراها المجتمع بأسره، لتقييم المسيرة نحو مجتمع صحيح.

 

أما أن تختزل منظومة الصحة في علاج الأمراض، فإن كل العوامل السلبية الأخرى ستساهم في تدهور صحة الإنسان وتفاقم نسبة الأمراض بشكل عام، إلى أن نصل إلى اليوم الذي يصبح فيه من الصعب، بل من المستحيل، تغطية تكلفة علاج جميع المرضى بالمجتمع، لأننا لم نتعامل مع أسباب الأمراض ولم نعالجها ولم نعمل على وقاية أفراد المجتمع من أن يقعوا ضحية لها، وقصرنا جهودنا على العلاج عندما يمرض الإنسان جسدياً، وبذلك نكون قد قصرنا في حماية أغلى وأثمن وأقيم استثمار، ألا وهو الاستثمار في الإنسان.. في صحة الإنسان.. جسداً وعقلاً وروحاً.

 

 

 

لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

 

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=14000