نريد ثورة في التعليم يا معالي الوزير

يقول مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة إن الحضارة = إنسان+ تراب+ زمن.

وبذلك فإنه عند نقطة الانطلاق ليس أمامنا سوى العوامل المادية الثلاثة: الإنسان والتراب والزمن، وفيهم ينحصر رأس مال الأمة الاجتماعي وكل ما عدا ذلك من مبانٍ وجامعات وطائرات … إلخ، يعد من المكتسبات لا من العناصر الأولية.

 

ونجد أن المحور الأساسي من الثلاثة هو الإنسان، وبه تعرف الحضارة بأنها “جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره”، والمجتمعات إما أن يغلب عليها روح عالم الأشياء أو يغلب عليها روح عالم الأشخاص والأفكار.

 

فإن غلب على المجتمع روح (عالم الأشياء) فإنك تجد الاستثمار في الحجر أكثر من الاستثمار في البشر، وإن غلب عليها روح (عالم الأفكار) فإنك تجد الاستثمار في البشر أكثر من الاستثمار في الحجر.

وقد أدركت المجتمعات أن أفضل استثمار يكون في المراحل الأولى لحياة الإنسان أي مرحلة الدراسة (خاصة في المجتمعات التي يشكل الشباب فيها الأغلبية).
وفي فيلم وثائقي بعنوان (في انتظار سوبرمان Waiting for superman) أُنتج قبل عام وناقش التحديات التي تواجه التعليم حول العالم وأكد على معلومة بديهية… ألا وهي أن أهم عامل لإنجاح منظومة التعليم هو المُعلّم.

 

وإن نفس الطالب بين يدي معلم قوي يستطيع أن يحصل على ثلاثة أضعاف العلم مقارنة بالمُعلم الضعيف، أي أن تحصيل عام واحد مع مُعلم قوي أفضل من تحصيل ثلاثة أعوام مع مدرس ضعيف.

بناء على كل ما تقدم فإن التحدي الذي يواجهنا هو كيفية رفع مستوى مئات الآلاف من المدرسين في بضع سنين لنضاعف من قدرات المنتج ومن جودة مُخرجات التعليم، علماً بأن لدينا خمسة ملايين طالب في مدارسنا يشكلون حوالي ربع المجتمع، ويمثلون العنصر الأكثر حيوية ونشاطاً وعطاءً، كيف لا وهم جيل المستقبل وأمل الأمة.

 

فكرت كثيراً وبحثت كثيراً وبدأ يتشكل لدي -بناء على بحثي ومشاهداتي ودراستي للبرامج التعليمية الرائدة حول العالم- تصور عام لمنظومة تعليمية متكاملة.
وسآخذ القارئ معي لنعيش معاً هذا التصور.

 

نبدأ أولا بالمعلّم بما أنه من الصعب بل ومن المستحيل أن نرتقي بمئات الآلاف من المُعلمين في بضع سنين إلى المستوى الذي نأمل … وبما أن طبيعة الإبداع والتميز في المعلم تكون غالباً لأصحاب المَلكات الفطرية وأن هناك من المُعلمين من حباهم الله بملكات وقدرات فائقة وشخصيات جذابة وأسلوب شيق يأسر الطلاب ويوصل المعلومة بكل سلاسة ويسر، وبما أن هؤلاء نُدرة فلا بد أن نبحث كيف يستفيد منهم أكبر قدر من طلابنا..

 

فلنتصور لو أننا بحثنا عن هذه الندرة المبدعة واخترنا لكل مادة في المنهج مجموعة من هؤلاء المبدعين وكل درس في المادة يُدرس من قبل ثلاثة منهم ويتم تسجيل المادة بأحدث الطرق التقنية والوسائل التوضيحية المتقدمة وتوضع المناهج كلها من الصف الأول الابتدائي وحتى الثانوية العامة في موقع مفتوح لكل الطلبة ويلزم كل طالب أن يستمع للدرس في بيته وله الخيار من بين ثلاثة أو أكثر؛ إن أراد استمع إلى ثلاثتهم زيادة في الفهم بسماع الدرس من مُعلمين مبدعين بطرق مختلفة وأساليب متنوعة وإن أراد الأبوان المساهمة في المراجعة أو الشرح كان لهم ذلك بيسر دون اللجوء إلى الدروس الخصوصية في البيت (وحتى لا يعتبر القارئ أننا شطحنا في فكرنا فإن هناك مشاريع مشابهة حول العالم ومنها أكاديمية خان Khan Academy وهي في أيدي الجميع في الإنترنت بدون مقابل كهدية من أكاديمية خان لنشر المعرفة، وكذلك مشروع فاتح في تركيا ومشروع آخر في الهند).

 

يأتي الطالب إلى المدرسة وقد استمع إلى الدرس في البيت ويقوم المُعلم بإعطاء الطلبة اختباراً تجريبياً ثم يقسم الفصل إلى مجموعات تحاول حل الاختبار كمجموعة فيتعلمون كيف يفكرون في الإجابة ويتناقشون فيها فتنمى فيهم روح التعاون بين الأفراد في المجموعة الواحدة والتنافس مع المجموعات الأخرى والقدرة على المناقشة والحوار مما ينتج عنه فهم أعمق ومشاركة لكل طالب كل دقيقة من دقائق الدرس دون ملل أو ضجر.

 

أما المُعلم فيصبح دوره أكثر فعالية ويركز على نقاط اللبس إن وجدت وبالطبع سنجد المُعلم حريصاً أن يسمع الدرس من مصادره الثلاثة وبذلك يقتبس من ثلاثة نماذج مُعلمين مُبدعين مُتميزين ويتعلم منهم فنرتقي بذلك بمئات الآلاف من المعلمين في وقت وجيز.

 

وهناك فائدة أخرى هامة بالإضافة إلى المواد التقليدية كالحساب والرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء واللغة العربية… إلخ، هناك المواد الدينية وباختيار ثلاثة معلمين نموذجيين من الفكر الوسطي فإننا نحمي أبناءنا من خطر أن تسرق عقولهم أو أن تندس في مناهجهم بذور سيئة وفكر منحرف يدفع المجتمع ثمنه غالياً… وبذلك يستطيع الطالب وأهله في البيت أن يكتشفوا الانحراف والغلو والبعد عن روح الدين السمح وحراسة عقله وفكره من بذور السوء وأيدي العابثين.

 

قد يقول قائل إن هذا المشروع باهظ التكاليف… وأقول لهم على العكس تماماً هو أقل تكلفة وأكثر تأثيرا من أي برامج أخرى نقوم بها لرفع مستوى التعليم لمئات الآلاف من المعلمين ولن نفلح، حيث إن أفضل طريقة للتطوير هي وضع النموذج والقدوة وأفضل تطوير تعليمي هو أن يصبح الطلبة أنفسهم حراسا للعملية التعليمية.

 

فالطالب الذي استمع إلى الدرس في صورته النموذجية من أفضل معلمين مبدعين متميزين قادر أن يصحح مُعلمه ويحثه ويرغمه على التطوير الذاتي حتى لا يُحرج أمام طلبته وبذلك نكون قد طورنا المدرس والطالب معاً وأعنّا كذلك الآباء الذين يريدون أن يساعدوا أبناءهم على الفهم أن تكون لهم مشاركة فعالة عوضا عن المدرسين الخصوصيين في البيت.

إن تكلفة المشروع تنحصر في توفير (I-PAD ) لكل طالب وطالبة (كعهدة مدرسية) والبحث عن المبدعين أصحاب الملكات من المُعلمين على مستوى الشرق الأوسط، وتسجيل الدروس والمحاضرات بأفضل تقنية إخراجية ووضع البرنامج ككل في موقع خاص للتعليم ومفتوح للجميع وكذلك تحميل المنهج كاملاً في (I-PAD ) ووضع النظام الجديد واضحا لجميع المدارس ومراقبة تنفيذه وبذلك يأتي الطالب إلى مدرسته فقط بـ(I- PAD ) محملاً بجميع المناهج مرئية ومسموعة ومكتوبة وهناك دراسات كبيرة تؤكد أن استيعاب طالب هذا الجيل أفضل بكثير عند استعمال (I- PAD ) والكمبيوتر من استخدامه للكتب التقليدية.

 

إنني أؤمن أن هذا المشروع يمكن إنجازه في عام واحد فقط…

 

لكم أن تسموها طفرة في التعليم أو نقلة نوعية مميزة ولكني أحب أن أسميها ثورة في التعليم وأرجو أن يقودها وزير التعليم.

 

لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه

http://www1.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=9395