هل يمكن تفادي مرض السكري

 

تشير الدراسات الإحصائية الحديثة أن مرضى السكري من النوع الثاني (المرضي الذين لا تستطيع أجسامهم الاستفادة الكاملة من الأنسلين الذي تفرزه أجسامهم) في ازدياد مستمر، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة المرضى فوق سن الأربعين قد ازدادت بنسبة 40 % خلال الأعوام الثمانية الماضية، في حين أن الزيادة وصلت إلى 70% في المرضى دون الأربعين عاماً ولذلك أصبح لا ينظر إلى النوع الثاني من مرض السكري بأنه مرض الكهولة (كما كان يظن سابقاً) وإنما مرض الشباب كذلك.

 

ويعتقد الباحثون والأطباء أن من أهم عوامل زيادة نسبة الإصابة بهذا المرض، السمنة ونمط الحياة الخامل (قلة الحركة والرياضة) ومن الأسئلة التي كان لا بد أن يجاب عنها بطريقة البحث العلمي الصحيح: هل يمكن تفادي النوع الثاني من مرض السكري في الأشخاص المهددين بالمرض؟

 

ونقصد بالمهددين بالمرض، أولئك الذين لديهم نسبة أعلى للإصابة بالمرض نظرا لوجود أحد العوامل المساعدة على حدوث المرض مثل العامل الوراثي العائلي (انتشار المرض في العائلة) أو السمنة.

 

وقد تم ولأول مرة الإجابة عن هذا السؤال بطريقة البحث العلمي الصحيح، في دراسة نشرتها مجلة (The New England Journal Medicine) الطبية المشهورة عالمياً، ففي هذه الدراسة تم اختيار 522 شخصا (72 رجلا و 350 امرأة) متوسط أعمارهم 55 عاما مهددين بالإصابة بالمرض ولديهم بوادر الإصابة بالمرض (عدم قدرة الجسم على التعامل والاستجابة المثلى مع السكر عند تعرض الجسم لنسبة عالية من السكر)، وقد قسم الأشخاص إلى مجموعتين بطريقة عشوائية.

 

ففي المجموعة الأولى تلقى الأشخاص إرشادات صحية تهدف إلى إنقاص الوزن وتقليل كمية الدهون وزيادة نسبة الألياف المتناولة يوميا وزيادة الحركة والرياضة البدنية، ومن ثم قام الباحثون باختبار الأشخاص سنويا لمدة ثلاثة أعوام لتحديد الأشخاص الذين أصبحوا مرضى بالسكري بناء على تعريف مرض السكري من النوع الثاني، ثم التأكد من صحة التشخيص بإعادة الفحص مرة أخرى.

 

وقد استطاعت الدراسة الإجابة عن السؤال الذي أثرناه في بداية المقال ألا وهو: هل يمكن تفادي مرض السكري (النوع الثاني)؟

 

لقد وجدت الدراسة بعد 4 سنوات أن معدل الإصابة بمرض السكري في المجموعة الثانية (التي لم يتم فيها أي تدخل أو إنقاص للوزن) كان 23 % في حين أن معدل الإصابة قد انخفض إلى 11 % فقط في المجموعة الأولى (التي عملت على خفض الوزن وعلى زيادة الحركة والمجهود البدني).

 

وهذا يعني أن احتمالات الإصابة بالسكري قد انخفضت بنسبة 58 % في المجموعة الأولى وهذا الانخفاض كان نتيجة اتباع نمط حياة أفضل (الغذاء والرياضة).

 

وكانت نتيجة الدراسة أنه بالفعل يمكن تفادي الإصابة بمرض السكري أو تأخير حدوثه لأعوام باتباع أسلوب حياة صحي.

 

إن مرض السكري ومضاعفاته يكلف أمريكا وحدها ما يزيد عن 98 بليون دولار سنوياً في حين تكلف الأمراض السرطانية كلها مجتمعة بمضاعفاتها 107 بلايين دولار سنوياً، علما بأن نسبة انتشار السكري في أمريكا لا تتعدى 8% في حين يصل إلى %30 في بعض البلاد العربية.

 

وأفضل وسائل التعامل مع مرض السكري هو الوقاية لا العلاج حيث إن علاج المضاعفات محدود نظرا لأن المرض يصيب كل عضو من أعضاء الجسم دون استثناء.

 

فالسكر يتراكم في الدم (الأوعية الدموية) ويؤدي إلى مضاعفات في أعضاء الجسم المختلفة مثل العينين، حيث يعتبر السكري العامل الرئيسي المسبب لحالات العمى للمرضى بين العشرين والسبعين عاما، أما الكليتان فنصف حالات الفشل الكلوي المشخصة حديثاً هي نتيجة مرض السكري، وتزداد احتمالية الإصابة بأمراض القلب في مرض السكري بنسبة قد تصل إلى أربعة أضعاف، وأكثر من 8% من مرضى السكري يعانون من الضعف الجنسي، ومعظم مرضى السكري يعانون من تلف في الأعصاب الدقيقة في الأطراف التي قد تؤدي في حالات عديدة إلى بتر الأطراف.

 

نعم إن خط الدفاع الأول ضد مرض السكري هو الوقاية ، الوقاية من الإصابة بالمرض باتباع نمط حياة صحي.

 

أما خط الدفاع الثاني ضد مرض السكري فهو كذلك الوقاية، الوقاية من الإصابة بالمضاعفات باتباع نمط حياة صحي، بالإضافة إلى تناول أدوية التحكم في نسبة السكر في الدم.

 

ومجتمعاتنا لا زالت تهمل عامل الوقاية فنسبة السمنة في بلادنا من أعلى النسب في العالم وشعوبنا لا تلتزم بنظام رياضي يومي أو نظام غذائي صحي، وقد يغيب عن الكثير استشعار معنى الحفاظ على أمانة الصحة التي سيسأل عنها المؤمن يوم القيامة، فالأخذ بأسباب المحافظة على نعمة الصحة والبدن في حد ذاتها عبادة للمؤمن يبارك الله له بها في صحته في الدنيا ويجزيه في الآخرة على الأخذ بأسباب الحفاظ عليها.

 

والوقاية خير من العلاج.