وكشف الوباء عوراتنا

تحدثت في مقالي السابق عن الأهمية القصوى لوضع برامج صحية وقائية مكثفة وشاملة لأي دولة من دول العالم، وذكرت آنذاك أن الدول المتقدمة أصبحت تعطي الأولوية لهذه البرامج عند وضعها لميزانياتها وذلك استجابة لما أثبتته وتثبته الدراسات المكثفة على مدى العقدين السابقين بما لهذه البرامج الصحية الوقائية من أبعاد لا تنحصر فقط في تخفيف العبء الاقتصادي على هذه الدول على المدى البعيد بل تساعد على سرعة نموها وازدهارها وتطورها والحفاظ على استقرارها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فهذه البرامج تمس الفرد وتتعامل مع جذور المجتمع سلباً أو ايجاباً.

 

وقد كشف لنا «وباء حمى الوادي المتصدع» من عوارتنا ما كان مستوراً وقدم لنا دروساً لا بد أن نقف عندها فالدروس المقبلة قد تكون أكثر قسوة وأوسع ضرراً.

 

بل ان ما شهدناه من جراء هذا الوباء هو نتيجة متوقعة لاسباب قد أغفلناها أو تغافلناها فهي ظاهرة تعكس مشاكل ذات أبعاد عميقة تتغلغل في جذور مجتمعنا الذي نسعى جميعاً لرقيه ونعمل لبنائه ونحرص على سلامته.

 

فالوصول الى غاية بناء نظام حياة صحي متكامل لا يتحقق بجهود وزارة واحدة بغض النظر عن مدى الجهود التي تبذل. فبناء هذا النظام الصحي يقتضي توفر البنية التحتية الاساسية الصحيحة مثل توفر الصرف الصحي في كل مدينة والقدرة على التخلص من النفايات بأسرع وقت وأفضل طريقة وازالة المستنقعات والبيارات الطافحة والقضاء على الفئران والبعوض والرقابة على المنتجات الزراعية والحيوانية وغيرها كثير. وكل ذلك ليس من مهام وزارة الصحة بل وزارات أخرى مثل وزارة الزراعة والمياه ووزارة البلديات بل لوزارات الاعلام والتعليم كذلك واجب ودور فعال في رفع الوعي الصحي عند المواطن.

 

ويكفينا في هذا المقال ان نذكر انفسنا والكل يعلم بأن معظم المدن في بلادنا تفتقر للبنية الأساسية مثل الصرف الصحي ولا نستثني من ذلك المدن الكبرى.

 

إن فيروس «حمى الوادي المتصدع» نبهنا مرة أخرى إلى ان سياسة الفعل ورد الفعل لا بد أن تستبدل بسياسة احترام التخصصات وتطبيق الخطط التي يقوم بها الدارسون ودعم المسؤولين القائمين على البرامج والمشاريع الوقائية بميزانيات تليق بأهمية هذه المشاريع للمجتمع وانني أؤمن كما يؤمن كثير منكم، بأن البرامج الصحية الوقائية لا بد أن تتصدر هذه الأولويات.

 

بل ويعلمنا فيروس «حمى الوادي المتصدع» درساً خطيراً لا يدرك أبعاده إلا من يعرف كيفية تكاثر هذا الفيروس. فإنه ينتقل الى فصيلة من البعوض Aedes عندما تتغذى بامتصاص دم حيوان مريض وهذه البعوضة قادرة على نقل الفيروس الى سلالتها وأبنائها (بيض البعوض) وهذا البيض بمقدوره أن يبقى مختبئاً لعدة سنوات في المناطق الجافة ولكن عند سقوط أمطار جديدة وان كان بعد بضع سنوات تخرج اليرقات من البيض لتكون جيلاً جديداً من البعوض الحامل للفيروس الذي يقوم بدوره في نقل الفيروس الى الحيوان من جديد وبذلك يستيقظ الوباء من جديد بعد سنوات ليحصد أرواحاً جديدة من البشر علماً أن هذا الوباء ما هو بأشرس الأوبئة ولا أخطرها على الأطلاق وبذلك فإنه لا يكفي القضاء على البعوض وذبح المواشي المريضة.

 

وكشف لنا الوباء كذلك عدم قدرتنا على نقل المعلومة الصحيحة في الوقت الصحيح وبالصورة الصحيحة الميسرة لأكبر عدد من افراد المجتمع فمن المعلومات التي كانت غامضة للأغلبية العظمى من المجتمع في الأيام الأولى هي أن المرض لا ينتقل للإنسان عن طريق تناول اللحم المطهي بشكل جيد فامتنع كثيرون عن تناول اللحوم بل والدجاج كذلك.

 

إن هناك دروساً كثيرة تعلمناها ودروسا اخرى يجب ان نتعلمها من وباء «حمى الوادي المتصدع» وهناك اسئلة كثيرة أحيتها «حمى الوادي المتصدع» تنتظر اجابات. والشفافية مطلوبة ونحن نسأل ما هي البرامج التي سيتم انجازها في الفترة المقبلة ولنبدأ بالصرف الصحي.

واننا ننتظر الاجابة.

 

 

جريدة عكاظ – الثلاثاء 6 رجب 1421هـ الموافق 3 أكتوبر 2000 م