وكلوا واشربوا ولا تسرفوا

تتزايد الأدلة العلمية التي تؤكد أن السمنة وزيادة الوزن لهما تأثير سلبي مباشر على الصحة، كارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول واحتمال الإصابة بمرض السكر وأمراض القلب وتشحم الكبد وحصوات المرارة وروماتيزم المفصل الغضروفي بالركبتين، بل وزيادة نسبة الإصابة ببعض أنواع السرطان.

 

وتشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم في البالغين المصابين بالسمنة كانت 3 أضعاف نظرائهم من ذوي الوزن المثالي، ومخاطر الضغط المرتفع لا تخفى على الكثير من الناس، فهي تؤدي على المدى البعيد إلى الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين والبحة الصدرية وفشل عضلة القلب وجلطة الدماغ والفشل الكلوي .. وأكثر من هذا.

 

وقد وجد كذلك أن زيادة الوزن تؤدي إلى ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، ومخاطر ارتفاع الكوليسترول لا تخفى على كثير من الناس فالدراسات تشير إلى أنها تساعد على حدوث تصلب الشرايين والذبحة الصدرية وغيرها من أمراض الأوعية الدموية.

 

وقد وجد كذلك أن الزيادة في الوزن أدت إلى زيادة نسبة الإصابة بمرض السكر بمقدار ضعفين إلى عشرة أضعاف مقارنة بالأشخاص ذوي الوزن المثالي، وهذه الزيادة طردية وتتوقف على مدى زيادة الوزن. ولا يخفى على كثير من الناس ما يسببه مرض السكر من مضاعفات خطيرة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية المختلفة كالعينين والأطراف والفشل الكلوي والأعصاب وغيرها بل ولا تكاد تستثني عضوا واحدا في الجسم .

 

وقد تأكدت العلاقة بين السمنة والسرطان بعد الدراسات التي قام بها مجمع السرطان الأمريكي على 000.750 رجل وامرأة لمدة اثني عشر عاما، فقد وجد أن نسبة الإصابة بسرطان القولون والأمعاء الغليظة والبروستاتا كانت أعلى في الرجال ذوي الوزن المرتفع، مقارنة بنظرائهم من ذوي الوزن المثالي، وقد وجد كذلك أن نسبة الإصابة بسرطان المرارة والرحم والثدي كانت أعلى في النساء ذوات الوزن المرتفع، مقارنة بنظرائهن من ذوات الوزن المثالي.

 

وخلاصة كل هذه الدراسات أن زيادة الوزن والسمنة من الأمراض الخطيرة التي تزيد من نسبة الوفيات والإصابة بالأمراض القاتلة.

 

وقد أشارت الدراسات التي قام بها الدكتور عبد الرحمن النعيم ومجموعة من أطباء مستشفي جامعة الملك خالد بالرياض على 177.13 سعودياً أن زيادة الوزن والسمنة في المجتمع السعودي هي من أعلى النسب في العالم، سواء قورنت بمعايير منظمة الصحة العالمية أو معايير الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وجد كذلك أن هذه النسبة هي أعلى في الطبقة ذات الدخل المرتفع، وهي أعلى كذلك عند النساء مقارنة بالرجال.

 

وهذه إحصائية خطيرة، خاصة أن أعمار أغلبية المجتمع السعودي في الوقت الحالي أقل من 30 عاما، وبمعنى آخر فإنه يتوقع في العقدين القادمين أن تزداد نسبة الإصابة بكل الأمراض التي ذكرت أعلاه، وفي ذلك استنزاف للطاقات البشرية والمادية.

 

إننا نعيش في عصر تحكمه محدودية الموارد والطاقات البشرية المادية، مما يستلزم تحديد الأولويات وحسن تسخير وتوجيه الطاقات المحددة في قنواتها الصحيحة للحصول على أفضل مردود.

 

وقد تنبهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه العوامل فأعادت النظر في النظام الصحي بشكل عام وجعلت الوقاية من أولوياتها فأنفقت عليها الأموال الطائلة والتيستعطي مردودها في المستقبل القريب.

 

إن معايير التقدم الصحي بمفهومه الشامل المتكامل لا تكمن فقط في قدرتنا على امتلاك أحدث الأجهزة والمعدات الطبية والقيام بأعقد العمليات في مستشفياتنا مثل زراعة الأعضاء والقلب الصناعي وإنما تكمن في إيجاد البرامج الصحية بعيدة المدى للوقاية من الأمراض قبل حدوثها وتفادي المضاعفات قبل استفحالها.

 

إننا نحتاج إلى برامج مكثفة للوقاية الصحية وتوعية أفراد المجتمع للغذاء الصحي وأضرار السمنة وزيادة الوزن وأهمية الرياضة اليومية والزيارة المنتظمة لعيادة الطبيب للكشف العام الدوري لفحص ضغط الدم والسكر والكوليسترول وغيرها من الأمراض التي غالبا لا تظهر أعراضها إلا في مراحلها المتأخرة، ونحتاج كذلك إلى إيجاد برامج وأندية رياضية لكل أفراد المجتمع، صغارهم وكبارهم، رجالهم ونسائهم، بما يتفق مع آداب الإسلام.

 

ولا بد من تسخير وسائل الإعلام المختلفة لهذا الهدف، وتخصيص ميزانية تتناسب مع حجم وخطورة المشكلة المتوقعة في المستقبل القريب.

 

إن شريعة الإسلام لم تترك مجالا فيه خير للبشرية إلا وساعدت في تحقيقه وإن مجتمعاتنا تحظى بخصائص وتعاليم سماوية لا يحظى بها غيرها من المجتمعات العلمانية ولا بد من تسخير هذه التعاليم والآداب في التوعية والوقاية الصحية.

 

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه” وقال: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع” صدق الرسول الكريم .. وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى