الاحتكار..إلى متى؟

كتبت في شهر أكتوبر من عام 2011م مقالا بعنوان “مونوبولي” وكان ذلك تعقيباً على الفيلم الذي أنتجه فريق من الشباب السعودي بنفس الاسم “مونوبولي” والذي كان بمثابة صرخة استغاثة من الشباب وتجسيد لمعاناتهم في تحقيق حياة كريمة تبدأ بمنزل وسكن يسكنون فيه وأوضحنا في المقال تفصيلا أن السبب يعود الى مجموعة عوامل على رأسها غياب الحوافز لتداول الأراضي وحركتها في غياب أي زكاة أو ضرائب أو رسوم تُفرض على هذه الأراضي مما أوصل بلادنا الغالية إلى السقوط في أسوأ صور الاحتكار ( احتكار الأرض) ولا أريد في مقالي هذا أن أعيد ما كتبت آنذاك وللقارئ الكريم أن يعود الى مقالنا السابق على هذا الربط

http://www.okaz.com.sa/new/issues/20111004/Con20111004448670.htm

ففيه الاحصائيات الموثقة الداعمة، وفيه سرد لأهم الآثار السلبية على المجتمع وما أكثرها وأعظمها، وعقدنا فيه مقارنة بين احتكار الأراضي واحتكار أي سلعة أخرى، وفيها أوضحنا أن احتكار الأراضي أشد فتكاً بالمجتمعات من احتكار كثير من السلع الأخرى التي يعاقب عليها القانون ويعاقب عليها في بلادنا بعقوبات تصل الى السجن، وتساءلنا لماذا يستثنى احتكار الأراضي ولا يطبق عليه ما يطبق على غيره، ودعمنا قولنا وأصلناه شرعاً من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده وقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنهيت مقالي بقولي (لم يصدق من قال بالمثل الدارج (أن الأرض في بلادنا لا تأكل ولا تشرب وإذا مرضت فإنها لا تموت). فالأراضي البيضاء في بلادنا تأكل وتشرب خير المجتمع كله وتخزن ما تأكله وتشربه لعقود عديدة لتجتره أضعافاً مضاعفة لمحتكرها فقط وتحرم المجتمع من خيراتها..

ولم نصدق على من قال (أن الأرض لا تموت)، فهل هناك إماتة لها أكبر من عدم إحيائها ووقف عمارتها وعدم نفع المجتمع بها ولا تحقيق الغاية التي خلقها الله لها.. بل جعلناها أداة موت لطموح وأحلام جيل بأسره.

حقاً إن فيلم مونوبولي يُعد بمثابة صرخة استغاثة من شبابنا الذين هم طاقة المجتمع ويشكلون الأغلبية الساحقة..

وإن لم تُجب هذه الصرخة بما تستحقه من تصحيح وإصلاح فسيتبعها إحباط قد لا يدع للشباب مناصاً من التعبير عن إحباطهم بطرق أخرى نتمنى أن نتفاداها، إذ في تجنب ذلك مصلحة البلاد والعباد.

ان الشباب هم طاقة هذا المجتمع المتجددة والطاقة تعني الحركة وهذه الحركة إما أن تكون حركة وفق منهج عملي مدرورس لبناء المجتمع وتحقيق مفهوم الوطنية الصحيحة من توطين الخير والعدل واستئصال الشر والفساد وإما أن تصبح عشوائية جامحة جانحة تتخبط في كل اتجاه.

وليس أشد ألماً على نفس الشاب من أن يعجز عن بناء أسرة توفر له السكن والاستقرار النفسي والروحي.

فهل نقدم مصلحة حفنة من الأفراد الأثرياء ملاّك الأراضي المحتكرين على مصلحة جيل بأسره، وهل نتأخر في السير نحو تصحيح أحد أهم عوامل تحقيق العدالة الإجتماعية واستقرار البلاد وخير العباد؟؟ )

وقد قرأنا في الصحف أن مجلس الشورى قد درس القضية ويعلم جدية وخطورة الأمر واطمأننا أن ولي الأمر لا يقبل بذلك و أن قراراً حاسماً سيصدر قريباً وطال انتظارنا دون أي حِراك..

وما كنت لأكتب مرة أخرى في هذا الموضوع الذي قُتل بحثاً وتداولاً ونقاشاً الا أنني قرأت قبل بضعة أسابيع خبراً صحفياً يستحق أن يذكر للمقارنة والعبرة (مليونيرات أمريكا يطالبون أوباما والكونغرس بزيادة ضرائبهم) وتفصيل الخبر أن ما يقرب من 140 مليونيرا أمريكياً طلبوا في رسالة الى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وزعماء الكونغرس زيادة الضرائب المفروضة عليهم لخدمة بلادهم، وكتب أباطرة قطاع الأعمال هؤلاء في رسالتهم (من فضلكم افعلوا الصواب… زيدوا من ضرائبنا) مؤكدين أنهم استفادوا من قوة الاقتصاد ويريدون الآن أن يستفيد الآخرون وقد وقع الرسالة 138 من أعضاء حركة (مليونيرات وطنيون من أجل قوة مالية) التي تأسست قبل عام.

لقد أدرك هؤلاء الأثرياء أن الحكمة تقتضي تحقيق قسط أوفر من العدالة الإجتماعية ليسود الاستقرار الإقتصادي والأمني فينعم الجميع.

إن هناك في الغرب مئات الأثرياء أصحاب الضمائر والعقول اجتمعوا واتحدوا في مطلب واحد وهو زيادة الضرائب عليهم من أجل مصلحة بلادهم.

وهنا في أرض مهبط الوحي يقف حفنة من الأثرياء ملاك الأراضي المحتكرين الجشعين عائقاً دون فرض الزكاة عليهم.

ألسنا نحن أولى أن يخرج منا مئات أصحاب الأراضي يطالبون أن تؤخذ منهم الزكاة لما في ذلك من بداية معالجة حقيقية فعّالة لأسوأ وأشنع صور الإحتكار؟

نعم نحن أولى بفعل كل خير لو أننا أدركنا أن المبادئ الإسلامية وفلسفة التشريع ما جاءت إلا لتحقيق مقاصد وأهداف الإسلام العليا والتي على رأسها إرساء العدل ورفع الظلم.

فإلى متى تقدم مصلحة حفنة من المحتكرين الجشعين على مصلحة جيل بأسره؟

عكاظ  لقراءة المقالة من صحيفة عكاظ الرجاء الضغط على الرابط أدناه

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20120110/Con20120110469007.htm