البغض يمرضك ويؤذيك قبل أن يؤذي غيرك

عندما نُسأل عن نقيض كلمة “حب”، فسنجد الأغلبية يقولون “كُره”، والحقيقة أن هناك خلطا بين ثلاث كلمات في اللغة العربية وهي: الكُره (بضم الكاف)، الكَره (بفتح الكاف)، والبُغض.

 

الكُره (بضم الكاف)، هو ما أكرهت نفسك عليه، أما الكَره (بفتح الكاف) فهو ما أكرهك غيرك عليه، قال الله تعالى: “وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” ولم يقرأها أحدٌ بضم الكاف. وقال تعالى “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ” ولم يقرأها أحدٌ بفتح الكاف، أما البُغض فهو عكس الحب.

 

والأصل والفطرة في المشاعر الإنسانية ـ والتي أُمر بها المؤمن ـ هي الحب لكل من في الأرض على اختلاف أشكالهم وصورهم ومللهم وعقائدهم، فالمؤمن يُحبُ كل إنسان على وجه الأرض، ففي كل إنسان نفخة الرحمن وهي حب الأُخُوّة الإنسانية، فالأب واحد والأم واحدة وكلنا من آدم وحواء.

 

نعم.. المؤمن مُلزمٌ أن يحب كل من في الأرض، ولكنه أيضا مُلزمٌ بأن يبغض أعمال السوء، وهذا الحب للإنسان والبُغض لسوء الأعمال يجعل المؤمن حريصا على هداية أخيه، كالطبيب الذي همُّه أن يساعد المريض ليشفى، والطبيب يبغض أعمال مريضه التي تفتك به وبصحته، ولكن هذا البغض من قبل الطبيب يجعله أكثر حرصا على مساعدته.

وهذا يفسر أعمال الصحابة والتابعين، من البغض لله وفي الله لأعمال المحاربين لله ورسوله، لكن ما إن يكفوا ويصلحوا ويهتدوا ينقلب البغض في لحظات إلى حب في الله، ولا يستطيع أن يفعل ذلك وبهذه السرعة من يبغض الفاعل، بل من فرَق بين الفعل والفاعل، فبغض الفعل وتمنى وأحب الخير والهداية للفاعل. وبذلك فإن بغض إنسان بعينه ليس من صفات المؤمن ولا من الفطرة، بل هو مرض من أمراض القلب أن تبغض شخصا بعينه ولشخصه، والبغضاء بهذا المفهوم هي حرام شرعا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُسْلِمُوا، وَلا تُسْلِمُوا حَتَّى تَحَابُّوا، فَأَفْشُوا السَّلامَ تَحَابُّوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْضَاءَ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ، وَلا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ”. وعن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصيام والصدقة؟ إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضاء فإنها الحالقة”.

 

البغضاء طاقة سلبية تجذب كل شيء سالب، فكل عاطفة وكل نوع من المشاعر والأحاسيس هي صورة من صور الطاقة، التي تسري في الجسم كتيار كهربائي، وكل عاطفة هي طاقة لها تردداتها الخاصة بها التي يمكن قياسها، فالخوف والغضب (6 هرتز) هي ترددات اللون الأحمر، والحب غير المشروط (100 هرتز) هي ترددات فوق البنفسجية، التي تعتبر من أعلى الترددات، وأعلى الترددات هي للحب والبغض.

 

والتيار الكهربائي المتولد من كل عاطفة ينتقل عبر الجهاز العصبي، ويحث على إفراز بروتينات كيميائية تسمى “نيوروببتايد”، وهي بدورها ترسل رسائل كيميائية لكل الجسم، وتخلق رد الفعل الفزيولوجي. فالسعادة والضحك والبهجة وذروة النشوة الجنسية، تؤدي إلى إفراز “نيوروببتايد” يسمى “إندورفين” وهي تعمل عمل المخدر القوي “الأفيون”، مما يجعل الإنسان يشعر بشعور جميل وتحسن في المزاج وارتخاء في العضلات وتقوية للمناعة وتثبيط للآلام بجميع أنواعها.

 

في المقابل، فإن مشاعر الخوف والقلق والتوتر والبغض تفرز هرمون “الأدرينالين” الذي يؤدي إلى آثار سلبية على المدى القصير، مثل توسع الأوعية الدموية وازدياد في ضربات القلب وارتفاع الضغط وسرعة التنفس وشد في العضلات، خاصة في منطقة المعدة والأكتاف، أما على المدى البعيد فإنها تؤدي إلى ضعف في المناعة وآلام مزمنة في الجسم كله واعتلال في الجهاز الهضمي وارتفاع نسبة حموضة الجسم وتسبب زيادة الالتهابات واستنزاف حيوية الجسم بشكل عام.

 

إن القلب يبث ويبعث قوة كهرومغناطيسية أقوى من تلك التي يبعثها الدماغ، وبالتالي فإن الدماغ يضطر إلى أن يتوافق مع قوة القلب الكهرومغناطيسية، فشعور الحب أو البغض في القلب ينعكس على العقل ومراكز إفراز الهرمونات، ثم يتحكم في فزيولوجية الأعضاء وردود الأفعال. فالمشاعر السلبية وعلى رأسها البغض الذي يحمل أعلى ترددات كهربائية وإفرازات هرمونية، تهز جسدك كصدمة كهربائية لتترك ندوبا في المسار العصبي، وبذلك تخل بل وتعطل مسار وتدفق طاقة جسدك الطبيعية.

 

في دراسات حديثة، وباستخدام علماء الأعصاب البريطانيين لأشعة الدماغ المتقدمة، استطاعوا تحديد المناطق التي تفعّل في الدماغ أثناء البغض، وتوصلوا إلى ما يلي: عندما تنظر إلى شخص تبغضه أو صورته، تحدث في الدماغ تطورات وتغيرات متوقعة، منها تحفيز مناطق العدوان في الدماغ، لكن غير المتوقع أنها كذلك تُفعِّل مناطق المحاكمة والقدرة على الحكم على الأشياء ومنطقة التخطيط، وبذلك توصل العلم إلى أن البغض ليس بالعاطفة اللاعقلانية العمياء كما كنا نحسب سابقا، بل على العكس فهو يحفز المناطق المسؤولة عن المنطق والإدراك في الدماغ، إضافة إلى قراءة ما سيقوم به الآخر، وبذلك فهي شرٌ متعمد يدرك صاحبه ما يفعل، ولذلك يغلظ القانون على جرائم البغض (Hate Crimes) وليس لفاعله من عذر.

 

إن البغض من المشاعر غير الفطرية التي حرمها الشرع وعاقب عليها؛ لأنها تدمر صاحبها جسدا وعقلا وروحا قبل أن تؤذي الشخص الذي نبغضه. وهناك دراسات عديدة تشير إلى تأثيرات البغض الهدامة للصحة الجسدية على المديين القريب والبعيد.

 

وقد ذكرت في مقالي السابق بعنوان “الحب يشفيك قبل أن يشفي غيرك” كيف أن الجسم يفرز مادة حليبية “مجهولة الهوية” بين خلاياها لتجعلها في كل عضو تتقارب مع بعضها ويتحسن أداؤها، أما في حالة البغض فإن المادة الحليبية تختفي وتتسارع حركة الخلايا في الجسم وتتنافر عن بعضها كأنها تبغض بعضها ويتدهور أداء أعضاء الجسم المختلفة، ويشعر الإنسان حينها بالضعف والاكتئاب وانعدام القيمة وقلة النشاط وفقدان الرغبة في العمل، ولذلك يشبه الإنسان الذي أصيب قلبه بمرض البغض بأنه كالذي يتجرع سُمًا ويتوقع أن يقتل به من يبغضه.

 

 

في دراسة عجيبة للدكتور دافيد سوزوكي، قام بتجميع جزئيات مركبة من زفير شخص غاضب يعبر عن غضبه وحنقه لفظيا، فوجد الزفير يحتوي على سموم مركزة، حيث اكتشف أنه لو تم تجميع تلك السموم على مدى ساعة واحدة فقط فإنها قادرة على قتل ثمانين من حيوانات التجارب المعملية.

 

إن من يستسلم لمشاعر البغض، سيصبح ضحية من ضحايا هذا الشعور المحرم؛ لأنه سيعمل بهذا الشعور ضد مصلحة جسده، وبالتالي سيدمر حياته، سيسمم روحه، سيحرم نفسه من كل الأحاسيس والعواطف والمشاعر النبيلة السامية، التي تجعل للحياة معنى وطعما وقيمة.

 

 

البغض كالسرطان سيأكلك من داخلك، ويستحيل أن تنزع البغض من قلبك دون أن تضع مكانه شيئا آخر، فقط شيء واحد هو الذي يستطيع أن يطرد البغض “المحرم شرعا” ألا وهو الحب “الذي يوافق الفطرة ويحبه الخالق”، والذي تحدثنا عنه في مقال سابق “الحب يشفيك قبل أن يشفي غيرك”.

 

 

 

لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

 

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=14000