الخطأ الطبي

ما الفرق بين الخطأ الطبي والإهمال الطبي؟ ومتى يجب أن يعاقب الشخص المعالج؟ كانت هذه القضية هي محور المناقشة في إحدى المحاضرات في جامعة هارفرد أثناء إعدادي لرسالة الماجستير في القوانين والإدارة الطبية.

 

في بداية المحاضرة عرضت علينا قضايا مختلفة، وكانت أحدها لممرضة في قسم العناية المركزة أقدمت على خطأ جسيم أدى إلى وفاة المريض حيث أخطأت تحت ظروف العمل القاسية والإنهاك فأوصلت إبرة محلول الغذاء بالأنبوب الموصل بالشريان بدلاً من أن توصله بالأنبوب المتصل بالجهاز الهضمي، مما أدى إلى وفاة المريض. وعندما سأل البروفيسور الأطباء في المحاضرة: من منا يعتقد بأن الممرضة لا بد أن تطرد أو تعاقب؟ كانت نتيجة السؤال أن أكثر من ثلاثة أرباع الأطباء أجابوا بأن الممرضة لا بد أن تطرد وتعاقب. ولكن بعد ساعتين من المحاضرة والمناقشة وعرض نتائج الدراسات المكثفة التي قامت بها أمريكا في هذا المجال أعاد البروفيسور سؤاله الأول على الأطباء الحاضرين فكانت النتيجة أن الأطباء أجمعوا في هذه المرة على أنه ليس من الضروري أن تطرد الممرضة أو تعاقب ولكن لا بد أن يتم التحقيق في النظام أو التنظيم الطبي في المستشفى الذي سمح أو ساعد على حدوث الخطأ. قد يبدو هذا المنطق غريبا للكثير بمن فيهم الأطباء، ولكنه ليس رأيا شخصياً لبروفيسور في هارفرد وإنما هو نتاج دراسات مكثفة أُجريت في أمريكا وكلفت مئات الملايين من الدولارات وما زالت هذه الدراسات مستمرة.

 

وهدف هذه الدراسات البحث عن أسباب حدوث الأخطاء وطرق معالجتها، وفي هذا المقال سألقي الضوء على بعض نتائج هذه الدراسات.

 

بدأ موضوعنا بحقيقة، هي أنه بالرغم من أن أمريكا تعتبر أكثر الدول حرصاً وتخوفاً من الخطأ الطبي ونظراً لسهولة عملية رفع القضايا الطبية ضد المستشفيات، ولدفع تعويضات لمرضى قد تصل إلى مئات الملايين في بعض الحالات، إلا أن هناك أكثر من 180 ألف شخص يموتون كل عام نتيجة الخطأ الطبي، وهذه الحالات تحدث متفرقة في أكثر من خمسة آلاف مركز طبي، ويمكن أن نتوقع أن هذا الرقم يحدث بشكل مضاعف في معظم دول العالم التي لا تتمتع بالتقدم الطبي العلمي والتعليمي والإداري كالولايات المتحدة، ولكن الإحصاءات غير متوفرة، وسبب الوفيات غير معروف في الأغلبية العظمى وهناك دراسات توثق هذه المعلومة.

 

الخطأ البشري والأنظمة الطبيّة

 

بينت الدراسات أن السبب الرئيسي في الخطأ الطبي هو الاعتقاد بمبدأ خاطئ يتعارض مع الطبيعة البشرية، هذا المبدأ هو أن الإنسان لا يخطئ.

 

وبناء على هذا المبدأ فإن التنظيم الطبي في معظم المستشفيات يعتمد على دقة المعالج وقدرته على تفادي أي خطأ بدلاً من أن يفترض التنظيم الطبي أن الخطأ سيحدث لا محالة وعلى التنظيم أو النظام الطبي معالجته، ومنع وقوعه. وبذلك فإن الدراسات تشير إلى أن أي خطأ هو في معظم الأحيان في التنظيم الطبي المتبع في المستشفى لا في الشخص المعالج حيث إن الإنسان بطبيعته يخطىء ويسهو.

 

وقد ساعدت هذه الدراسات في إعادة تصميم كثير من الأنظمة الطبية في أمريكا، ومثال ذلك فإن الخطأ الذي ارتكبته الممرضة – الذي أشرت إليه في أول المقال – ما كان ليحدث لو أن محلول الغذاء المفترض أن يوصل بالجهاز الهضمي لا يمكن إيصاله بأي حال في أي من الأنابيب الأخرى )تماماً كما أن الشخص لا يستطيع أن يملأ الديزل لسيارة تسير بالبنزين نظراً لاختلاف تصميم فتحة كل منهما(. وبذلك تم تغيير جميع الأنابيب والتوصيلات الخاصة بها حيث لا تستطيع الممرضة الخطأ حتى لو أرادت (ذلك وهذا ما يسمى بنظام تفادي الخطأ).

 

ومثال آخر هو الاعتماد على الكمبيوتر في اكتشاف وجود موانع لصرف الدواء للمريض مثل حساسيته للدواء، أو تعارضه مع دواء آخر يتناوله المريض.

 

وقد قامت الجمعية الأمريكية للتحذير بوضع لوائح وبروتوكولات وقوانين موجهة لجميع أطباء التخدير حول أمريكا، مما أدى إلى خفض نسبة الوفيات نتيجة التخدير من واحد في العشرين ألفاً إلى واحد في المائتي ألف والأمثلة كثيرة جداً لا يسعنا التحدث عنها هنا. وخلاصة القول هو أن المفهوم الطبي للخطأ الطبي الذي لا يتجاوز محاولة معاقبة الشخص المعالج بدون دراسة جذور المشكلة وأسباب حدوثها لا يؤدي في النهاية إلى العوائد المرجوة من تفادي خطأ مشابه في المستقبل، بل أثبتت الدراسات الميدانية أنه يؤدي إلى الخوف والرهبة من تسجيل أو كتابة أو الاعتراف بالخطأ وبالتالي استمرارية الأخطاء في النظام وتفاقمها مع الأيام والمعاقبة لا بد أن تكون في حالات التعمد أو الإهمال أو مخالفة واضحة للأنظمة والقوانين الطبية أو غيرها من الأسباب التي لا يستطيع الحكم عليها إلا أولو العلم في هذا المجال. وبمثل هذا الوعي يبنى مستشفى المستقبل بتخطيط وتنظيم يحمل مسؤولياته حفاظاً على الثقة.

 

الخطأ.. بين الطبيب والنظام الطبي

 

وبذلك يمكن القول إن الطريقة الصحيحة هي أن يفترض التنظيم الطبي أن الخطأ سيحدث لا محالة على يد أفضل الأطباء وأقدرهم لأنهم بشر (وكل ابن آدم خطاء) وعلى التنظيم أو النظام الطبي منع وقوع الخطأ ومعالجته في مراحله الأولى في حالة حدوثة، وبذلك فإن الدراسات تشير إلى أن أي خطأ طبي هو في معظم الأحيان خطأ في التنظيم الطبي المتبع في المستشفى، وهذا في حد ذاته لا يخفف عن الطبيب عبء مسؤولياته تجاه الأرواح التي اؤتمن عليها ولا يسقط عنه العقاب في حالات التعمد والإهمال أو المخالفة الواضحة للأنظمة والقوانين أو غيرها من الأسباب التي يستطيع الحكم عليها أولو العلم في هذا المجال، وإنما الهدف هو التركيز على التنظيم الطبي الذي أدى إلى حدوث الخطأ لكي تتم الاستفادة من الأخطاء وتفاديها مستقبلاً، وبذلك المفهوم الصحيح للخطأ الطبي في إعادة تصميم كثير من الأنظمة الطبية في أمريكا، ويمكن تلخيصه في أن المفهوم الخاطئ للخطأ الطبي الذي لا يتجاوز محاولة معاقبة الشخص المعالج بدون دراسة جذور المشكلة وأسباب حدوثها لا يؤدي في النهاية إلى العوائد المرجوة من تفادي خطأ مشابه في المستقبل، بل أثبتت الدراسات أن تركيز الجهود على معاقبة الشخص المعالج يبعث في نفوس العاملين في النظام الطبي الخوف والرهبة من الأخطاء والعقاب، مما يؤدي إلى إخفاء الأخطاء وعدم الاعتراف بها بدلاً عن محاولة معالجتها ودراسة أسباب حدوثها، وبالتالي تستمر الأخطاء في النظام وتتفاقم مع الأيام ويخسر المجتمع قاطبة فرصة الاستفادة من أخطائه.

 

وقد بينت الدراسات كذلك أن الأخطاء التي انتهت إلى المحاكم القانونية واستمرت لسنوات عديدة وكلفت الملايين من الدولارات لم تؤد في النهاية إلى الغاية المرجوة من تعويض المريض بالإضافة إلى تصحيح التنظيم الطبي حتى لا يتضرر مريض آخر مستقبلاً من خطأ مشابه.

 

وقد قامت دراسات عديدة كذلك لبحث الأسباب التي تؤدي بالمريض إلى رفع دعوى قضائية على الطبيب، وماذا يريد المريض من الطبيب أو المستشفى المُعالج عند حدوث الخطأ.

 

أسباب رفع الدعاوى القضائية على الأطباء والمستشفيات

 

وفي دراسة حديثة قام الباحثون بدراسة الأسباب التي تؤدي بالمريض إلى رفع دعوى ضد الطبيب، ودراسة الفرق بين الأشخاص الذين رفعوا دعوى ضد الطبيب والذين لم يرفعوا دعوى، ودراسة اختلاف شخصيات المرضى والأطباء واختلاف نوعية الأخطاء.

 

وقد وجدت الدراسات أن هناك علاقة عكسية بين احتمالية رفع دعوى ضد الطبيب ومدى توطيد نوعية العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض، ووجد أن أهم عامل في تحديد احتمالية رفع الدعوى هو كيفية رد فعل وتصرف الطبيب المعالج للمريض بعد حدوث الإصابة والخطأ الطبي مباشرة.

 

وقد وجد كذلك أن رد الفعل الأولي والتلقائي الدفاعي من قبل المستشفى والطبيب المعالج يؤدي في أغلب الأحيان بالمريض لرفع دعوى قضائية ضد الطبيب والمستشفى كان يمكن تفاديها لو تغير رد فعل الطبيب المعالج والمستشفى.

 

وقد أجابت دراسة أخرى عن السؤال: ماذا يريد المريض من الطبيب حين يرفع عليه دعوى قضائية، حيث تمت دراسة حالات آباء الأطفال الذين ولدوا بإصابات عصبية نتيجة أخطاء أثناء الولادة ودراسة الفرق بين الذين رفعوا دعوى ضد الطبيب وبين الذين لم يرفعوا دعوى، فكانت أسباب الآباء ما يلي:

 

%24 قالوا: “إن الطبيب لم يكن صادقاً وإنه يكذب.”

 

%24 قالوا: “إنهم في حاجة لدعم مادي لتأمين مستقبل الطفل المصاب.”

 

%20 قالوا: “إنهم تصرفوا بموجب رد فعل تلقائي عندما علموا بمصير ومستقبل طفلهم.”

 

%20 قالوا: “إنهم لم يجدوا من يخبرهم بحقيقة ما حدث وأنهم يريدون أن يعرفوا الحقيقة.”

 

%19 قالوا: “إنهم تصرفوا نتيجة الغضب مما حدث ورغبة في الانتقام من الطبيب المعالج نتيجة خطئه وإصراره على أنه لم يخطئ (أو) إنهم يريدون أن يتأكدوا أن الخطأ لن يحدث مرة أخرى.”

 

وفي أغلبية الأسباب لم يكن سبب رفع الدعوى مادياً، ولكنه وسيلة لتحقيق أحد الأمور التالية:

 

1- فتح باب الحوار ودراسة سبب الخطأ.

 

2- تفسير وفهم ما حدث بكل صدق وأمانة واعتذار الطبيب والمستشفى عما حدث.

 

3- الرغبة الصادقة من قبل المستشفى والطبيب في تصحيح سبب حدوث الخطأ وأخذ خطوات إيجابية في هذا الطريق.

 

برنامج لإصلاح ذات البين بين أهل المريض والطبيب

 

وقد كانت ولاية ماسيشوتس (عاصمتها بوسطن) إحدى أوائل الولايات الأمريكية التي حولت هذه النقاط والمفاهيم إلى برنامج عمل، فبدأت مايُسمى بالبرنامج الاختياري أو الطوعي للتوسط الطبي وإصلاح ذات البين، والذي قام بإنشائه البورد الأمريكي في الولاية بالتعاون والاشتراك مع برنامج المفاوضة في مجال العناية الصحية وفض النزاع في جامعة هارفرد.

 

وقد نجح هذا البرنامج في حل كثير من المشاكل، وتفادي الكثير من الدعاوى القضائية وفض النزاع وإرضاء جميع الأطراف في معظم الحالات باستخدام الحكمة وتحري العدالة، وقد وجدت في سرد بعض هذه النزاعات وطريقة التعامل معها فائدة للمرضى والأطباء على حد سواء.

 

حدثت إحدى هذه الحالات عام 1993 م حيث أجريت لأحد المرضى عملية جراحية في منطقة الحالب، ولكن آلام المريض استمرت بعد العملية، وبالرغم من مراجعته للطبيب والشكوى له، إلا أن الطبيب أهمل أعراض وشكاوى المريض مما دعا المريض للذهاب إلى جراح آخر، وبعد فحصه تبين له أن العملية الأولى كانت غير موفقة فأجرى له الجراح الثاني عملية تصحيحية، وتكبد المريض معاناة نفسية وجسدية ومالية، وفي أثناء هذه المعاناة حاول المريض الاتصال بالمستشفى المُعالج لإخبارهم بما حدث ولكنه لم يجد آذاناً صاغية أو رغبة صادقة في البحث عن الحقيقة، مما أدى بالمريض إلى رفع دعوى ضد الطبيب في البورد الأمريكي للولاية بحجة أن الطبيب فشل في أن يوضح للمريض قبل إجراء العملية أن الجراحة التي قام بها تحمل نسبة عالية من الفشل تصل إلى 10%.

 

وقامت السلطة للولاية بتعيين أحد كبار الأخصائيين في فض النزاع والتحكيم، وهو عضو مجلس أحد المستشفيات الجامعية الكبرى الذي قام بتحديد يوم للاجتماع وأقنع كلا الطرفين بحضور الاجتماع، فحضر الطبيب والمريض وكلاهما يستشيط غضباً، وبدأ المريض بمهاجمة الطبيب واتهمه بأنه أهمل في شرح مخاطر العملية له قبل إجرائها، علماً بأن نسبة فشلها مرتفعة تصل إلى (10 %). وهنا أوقف الطبيب المريض حيث أذهلته النسبة التي ذكرها المريض وصححها له حيث أنها لا تتعدى واحداً في المائة وليس عشرة في المائة. وأوضح الطبيب أنه من المستحيل أن يقوم بعملية تصل نسبة فشلها إلى عشرة في المائة بدون شرح ذلك للمريض.

 

واستمر الطبيب في حديثه معتذرا عما حدث وعن المعاناة التي تكبدها المريض والآلام التي عاناها، وشرح للمريض أن السبب الحقيقي لعدم رده على مكالمات المريض هو اقتراح محامي المستشفى له بألا يرد على مكالماته. وأحس المريض بصدق الطبيب فيما قاله، وبالرغم من أن الوقت الذي حدد للجلسة كان أربع ساعات إلا أنه بعد 45 دقيقة بالتحديد كان الطبيب والمريض يتصافحان وتم فض النزاع بينهما.

 

بعض القضايا ونتائجها

 

ومثال آخر لمثل هذه القضايا حدث في ديسمبر لعام 1994 م حين رفعت امرأة شكوى للبورد الأمريكي تفيد أن طبيب المسالك البولية الذي كان يعالج والدتها المسنة أخطأ في تشخيص حالة والدتها، التي كانت تعاني من التهابات في المسالك البولية، وافترض الطبيب المعالج أن الدم الموجود في عينة البول هو نتيجة الالتهابات، فوصف لها مضادا حيوياً على الهاتف دون أن يطلب منها الحضور للعيادة لفحصها، ولكن بعد استمرار وجود الدم في البول أدخلت المريضة المستشفى واكتشف أنها مصابة بسرطان المثانة وفي حالة متقدمة لا ينفع معها العلاج، وتوفيت المريضة بعدها بفترة وجيزة.

 

وقام البورد الأمريكي للولاية بمراجعة الحالة ومراجعة تاريخ الطبيب، ولكن نظراً إلى امتياز تاريخ الطبيب طوال عمر ممارسته الطبية فلم ير البورد الأمريكي أن الأمر يحتاج إلى عقاب فأحال القضية والشاكية إلى برنامج التوسط والتفاوض الطبي الذي تحدثنا عنه سابقاً.

 

وتم تعيين مفاوض للقضية، وأوضحت المرأة أنها لا تريد رفع قضية لغرض أو هدف مادي ولا تتوقع أي تعويض مادي، بل لن تقبل بذلك، لأنه ليس هناك أي أموال على وجه الأرض تعوضها عن والدتها المتوفاة، لكنها تريد أن تتأكد من أن هذا الخطأ وهذه المأساة لن تتكرر مرة أخرى مع مريض آخر.

 

وفي أثناء الجلسة عبرت المرأة للطبيب عن استيائها لما حدث ومشاعرها تجاه تصرفه والخطأ الذي ارتكبه، والطبيب ينصت بإصغاء وصبر، وبعد انتهائها عبر الطبيب عن أسفه لما حدث لوالدتها التي كان يعالجها لفترة طويلة من العمر، وكانت تربطه بها علاقة وطيدة، ثم اعتذر الطبيب عن خطئه ووافق على اقتراح قدمته المرأة بأن ينضم إلى دورة تعليمية طبية عن سرطان المثانة، كما أنه وافق على أن يتبرع بألف دولار للمجمع الأمريكي للسرطان كمبلغ رمزي.

 

 

إن هذه القضية وغيرها من القضايا تؤكد حقيقة ذكرناها في الحلقة السابقة، وهي أن معظم أسباب رفع دعوى قضائية ضد الطبيب والمستشفى المعالج عند حدوث الخطأ ليست مادية. والسؤال الذي نود الإجابة عنه الآن هو: ما هو موقف أطبائنا والمراكز الطبية في بلادنا تجاه شكوى المريض والأخطاء الطبية؟

 

الخطأ الطبي في العالم العربي

 

عند محاولتي إسقاط هذه المفاهيم على عالمنا العربي ومحاولة بحث وفهم الوضع الصحي الراهن، وجدت أن هناك تفاوتاً كبيراً في فهم المشكلة وتحليل أسبابها بين المعالج والمريض، وإليكم بعض نتائج البحث والاستفتاء:

 

 

وجهة نظر المريض

 

– معظم الأطباء والمستشفيات ليس لديهم الرغبة في الاستماع إلى شكوى المريض.

 

– ليس هناك نظام واضح ومعلن في معظم المستشفيات ليسهل على المريض إبداء رأيه أو رفع شكواه إلى إدارة المستشفى للنظر فيها والتحقيق في حيثياتها.

 

– ردود فعل معظم المستشفيات عند شكوى المريض هو الدفاع ووضع اللوم على المريض وليست هناك رغبة صادقة في دراسة شكوى المريض وتصحيح النظام المتبع إذا لزم الأمر.

 

– كثير من الأطباء يعيشون في أبراج عاجية ويفترضون جهل المريض ويقصرون في تقديم شرح واف للمريض أو محاولة تبسيط المفاهيم والمصطلحات للمريض بحجة أن المريض جاهل.

 

– كثير من المستشفيات الخاصة أهدافها مادية بحتة.

 

– المعاملة الطبية في الغرب أكثر إنسانية من المعاملة في عالمنا العربي.

 

– ليست هناك معلومات عن الأطباء والمستشفيات تساعد المريض على ترجيح طبيب على آخر أو مستشفى على آخر، وغالبا ما يحدث الترجيح على أسس غير علمية أو صحيحة ومعلومات غير موثقة.

 

– لماذا لا يكون هناك كتيب طبي في كل مستشفى يحتوي على تقارير كاملة عن كل طبيب وشهاداته العلمية وسنوات خبرته وغيرها من المعلومات التي تساعد المريض على اتخاذ قراره (مثل عدد العمليات التي أجراها ونوعيتها ومدى نجاحها.. إلخ).

 

– كثير من المستشفيات تنفق الأموال في شراء المعدات الطبية الحديثة لكنها تقصر في جلب أطباء جيدين نظراً لارتفاع مرتباتهم.

 

وجهة نظر الطبيب والمستشفى المعالج

 

– هناك شك عام في النظام الطبي، والمريض ينظر من خلال نظارة الشك فيرى كثيراً من الأمور بمنظار خاطئ ويفسرها تفسيرات خاطئة.

 

– هناك مبالغة وتشويه للحقائق من قبل المريض نتيجة الشك المستحكم في النظام الطبي.

 

– جهل كثير من المرضى يجعلهم عرضة للفهم الخاطئ فيخلط بين مفهوم الخطأ الطبي الناتج عن الإهمال وبين المضاعفات المتوقعة لكثير من العمليات التي لا بد وأن تحدث بهذه النسبة في أفضل مستشفيات العالم وعلى أيدي أفضل الأطباء.

 

– ما زالت (عقدة الخواجة) متحكمة في كثير من المرضى العرب، وهذه العقدة هي نتاج مركب النقص الذي تعاني منه فئات كبيرة من المجتمع، فنجد أن المريض يقتنع بكل ما يقوله الطبيب الغربي ويشك في كل ما يقوله العربي وإن كان الطبيب العربي أكثر علماً وخبرة من الغربي في كثير من الأحيان.

 

– الشك المستحكم في النظام الطبي للمستشفيات يجعل المريض يتهم المستشفيات بالابتزاز والاستغلال، في حين أن المريض نفسه إذا ذهب للعلاج في مستشفيات الغرب فإنه يدفع عشرات الأضعاف للعلاج ولا يبالي أو يستنكر ما يدفع، وإن كان من جيبه الخاص.

 

– المرضى يطالبون برفع المستوى الطبي والعلاج، ولكنهم في نفس الوقت غير مستعدين لدفع ثمن ذلك، وما يدفعه المواطن العربي للعلاج بشكل عام أقل بكثير مما تدفعه الشعوب المتقدمة.

 

إنني أود فتح باب الحوار من خلال حديثي هذا الغراء وقد بدأت بالفعل في تلقي بعض الخطابات التي ساعدتني في فهم الأبعاد النفسية للمشكلة وأسباب وجود هذا البون الشاسع بين المريض والطبيب والمستشفى المعالج. فقد أصبح هذا الموضوع من أحد أهدافي الرئيسية التي أكرس وقتي وعلمي من أجل دراسته، ومحاولة التقدم ولو خطوة واحدة في طريق التصحيح وإعادة الثقة في النظام الصحي في بلادنا الغالية، والله من وراء القصد.