رمضان شهر الرحمة

رمضان هو شهر الرحمة، هكذا علمنا رسول الله بقوله (اذا دخل رمضان فتحت ابواب الرحمة و غُلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين) .. رحمة الله لعباده في هذا الشهر الفضيل لا طريق لها الاَّ طريق واحد ألا وهي تلك الرحمة التي نتراحم بها فيما بيننا (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

فالصيام يُعلمنا التراحم وتلك هي فلسفة الصوم كما نفهمها وكما فهمها وفصّل فيها مصطفى صادق الرافعي رحمة الله عليه حيث يقول عن صوم رمضان (فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وإنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد، لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة، وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يعلم الرحمة ويدعو لها، ومن قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الآلم، وهذا بعض السر الاجتماعي العظيم في الصوم، إذ يبالغ أشد المبالغة ويدقق كل التدقيق، في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاقة، فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث، فهما طريقتان كما ترى: مبصرة وعمياء، وخاصة وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة).

 

هذه الرحمة التي تجسدت في حديث رسول الله عن الثلاثة الذين حُبسوا بصخرة في الغار وقالوا انه لا ينجيكم من هذه الصخرة الا ان تدعوا الله بصالح أعمالكم.

فذكر الأول حاله مع والديه وكيف أنه لبث والقدح بين يديه ينتظر استيقاظ والديه حتى برق الفجر واستيقظا فشربا غبوقهما، ودعا الله بنية ذلك العمل اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا..ً

 

وذكر الثاني حاله مع ابنة عمه التي كانت أحب الناس اليه وأرادها لنفسه فامتنعت حتى ألمت بها سنة من السنين فأعطاها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بينها وبين نفسه ففعلت حتى اذا قدرعليها قالت: لاأحل لك أن تفض الخاتم الا بحقه فتحرّج من الوقوع عليها وأنصرف عنها وهي أحب الناس اليه وترك الذهب الذي أعطاها فدعا الله بنية ذلك العمل اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعوا الخروج.

 

وذكر الثالث قصته مع أجير له ترك الذي له وذهب فثمّر أجره حتى كثرت منه الأموال فجاء بعد حين قائلاً: يا عبدالله أدَّ إالي أجري فقال له: كل ماترى من أجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق فقال له: يا عبدالله لا تستهزئ بي فأجابه اني لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه ولم يترك منه شيئاً فدعا الله بنية ذلك العمل قائلاً (اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.

وصدق الرافعي بقوله (هذا هو النبي يتكلم في الإنسانية وحقوقها بكلام بيّن صريح لا فلسفة فيه يجعل ما بين الانسان والانسان من النية (اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك) هو مابين الانسان وربه من الدين.

وهاهو الحديث يقرر أن الحقيقة الإنسانية العالية لن تكون فيما ينال الانسان من لذته، ولا فيما ينجح من اغراضه، ولا فيما يقنعه من منطقه، ولا فيما يلوح من خياله، ولا فيما ينتظم من قوانينه بل هو السمو على هذه الحقائق الكائنة كلها، وهي الرحمة التي تغلب على الاثرة فيسميها الناس براً (قصة الولد مع والديه) والرحمة التي تغلب على الشهوة فيسميها الناس عفة (قصة الرجل المحب لابنة عمه) والرحمة التي تغلب على الطمع فيسميها الناس أمانة (قصة التاجر مع أجيره).

 

وصدق الرافعي بقوله أن الحديث كالنص على أن هذه الرحمة في النفس هي الدين عند الله لا يصلح دين بغيرها ولا يقبل الله صرفاً ولاعدلاً من نفس تخلو منها. انتهى كلام الرافعي.

 

* ان هذه هذه الرحمة التي ينشئها الصوم هي دليل نجاحه وهي التي نريد أن نراها في هذا الشهر العظيم

* رحمة بأنفسنا .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ) إذا فرحمة الناس رحمة بأنفسنا .. لأننا بها نستحق رحمة الله.

* رحمة بأسرنا .. بأزواجنا .. وأولادنا .. أليسوا أحق الناس بها (جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل بينكم مودة ورحمة) فلنتعهد هذه الرحمة هذا الشهر في بيوتنا ولنجعلها شعار هذا الشهر الكريم.

* رحمة في تعاملنا مع الناس .. مساعدتهم في قضاء حوائجهم، يتمثلها ويتعهدها كل من ترفع إليهم حوائج الناس سواء كانوا أطباءً أو تجاراً أو موظفين، يسهلون على الناس في رمضان ولا يعسرون فقد جاء في الأثر (من قاد ضريرا إلى المسجد أو إلى منزله أو إلى حاجة من حوائجه كتب الله له بكل قدم رفعها أو وضعها عتق رقبة ولم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع، ومن قام على مريض يوما وليلة بعثه الله مع خليله إبراهيم حتى يجوز على الصراط كالبرق اللامع، ومن سعى لمكروب في حاجة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

* رحمة لكل من ولي أمرا بمن هم في ولايته ولكل ذي سلطان لمن هم تحت سلطانه، روى البيهقي عن ابن عمر (من كان وصلةً لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام).
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتاكم شهر رمضان شهر بركة، فيه خير يغشيكم الله، فيُنزل فيه الرحمةَ، ويَحُطُّ فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله فيه إلى تنافسكم، ويباهى بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشَّقِىّ من حُرم فيه رحمة الله عز وجل).

 

ان هذا شهر رمضان .. شهر الرحمة .. وهذه بعض نفحاته .. فالنُري الله من أنفسنا خيرا.

عكاظ  لقراءة المقالة من صحيفة عكاظ الرجاء الضغط على الرابط أدناه

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100824/Con20100824369032.htm