كورونا ..من أين ؟؟ وإلى أين؟؟

بالرغم من أن الحديث عن فيروس كورونا تصدر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والمجالس حول العالم، إلا أن هناك حقائق ما زالت بعيدة وغائبة عن كثيرين. ولذلك فإنني لن أعيد وأفصل في هذا المقال ما كتبه آخرون من أعراض الفيروس سواء كانت من عطاس أو سعال أو حرارة أو صداع أو أعراض الحمى العادية، وغير ذلك من المعلومات المتوفرة في وسائل الإعلام، وإنما سآخذك معي أخي القارئ لتعرف القصة من بدايتها، وسأستند في مقالي هذا إلى تقارير منظمة الصحة العالمية، ومقال من المجلة الطبية العالمية “New England Journal of Medicine” ومراجع أخرى من مجلات عالمية موثقة.

 

هذا الفيروس الذي أعطي الآن اسم “Middle East Respiratory Syndrome” (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، والذي سجل منه إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا 41 حالة، ومعظم هذه الحالات كانت في المملكة العربية السعودية. تبدأ القصة في مستشفى خاص في جدة، حيث تلقى طبيب متخصص في الفيروسات هو البروفيسور زكي مكالمة من طبيب معالج لمريض يبلغ من العمر 60 عاما أدخل إلى العناية المركزة بنزلة رئوية حادة، وطلب الطبيب المعالج من الدكتور زكي تحديد نوع الفيروس.

كل الفحوصات كانت سليمة، مما وضع أخصائي الفيروسات في حيرة، فأرسل عينة إلى مركز متخصص في فحص جينات الفيروسات بهولندا، وأثناء انتظار الرد قام هذا الأخصائي بعمل فحوصات إضافية وكانت المفاجأة هي عدوى لفيروس من عائلة “كورونا” وهي التي يصنف تحتها فيروسات البرد العادية ولكن كذلك فيروس “سارس” القاتل.

 

قام هذا الأخصائي بالتواصل مع المركز بهولندا ليحذرهم، وجاءت نتائجهم مؤكدة لمخاوفه.. نعم إنه فيروس جديد من عائلة “كورونا” لم يره أحد من قبل. ومن أجل تنبيه باقي أخصائيي الفيروسات حول العالم، سجل الدكتور زكي الحالة في موقع طبي على شبكة الإنترنت (ProMED) وهو موقع للإبلاغ عن الحالات النادرة من أجل نشر المعلومات بسرعة حول العالم. وبالرغم من تحديد الفيروس، إلا أن المريض قد تدهورت حالته وتوفي بفشل في عدة أعضاء في الجسم، فشل في الرئتين والكليتين بالرغم من الأدوية وغسيل الكلى.

كانت حالة واحدة لم تسبب الفزع أو الرعب أو الذعر لأنها فريدة، على الرغم من أنها من عائلة كورونا التي منها فيروس سارس الذي انتشر في أكثر من 30 دولة وقتل أكثر من 800 شخص في 2003، إلا أنهما مختلفان في تركيبهما الجيناتي، ففيروس سارس كان مرعبا ومخيفا لأنه ينتشر بسهولة ويقتل عددا أكبر، لكن هل كانت حقا حالة فريدة وانتهت القضية؟ هذا ما كنا نظنه..

الذي حدث هو حالة أخرى بعد شهر واحد في سبتمبر 2012 في العناية المركزة في مستشفى “St. Thomas Hospital” في لندن، حيث كان الطبيب يكافح ليشخص حالة مريض عمره 49 سنة من قطر نقل بإخلاء طبي إلى لندن مصابا بالتهاب رئوي حاد، بدأ الأطباء يبحثون عن سبب لهذا الفيروس لكنهم لم يستطيعوا تحديده، مما أربك الطبيب المعالج فأبلغ عن هذه الحالة لوكالة الوقاية الصحية من القادمين من الخارج بحالات حرارة غير معروفة مسبقا، والمعروفة بـ(health Protection Agency” (HPA”، فقامت الوكالة بجمع الفحوصات وحالفهم الحظ في أن اثنين من الباحثين دخلوا صفحة النت (ProMED) فوجدا ما نشره الدكتور زكي من المستشفى الخاص بجدة، ووجدا تطابقا في الأعراض في الحالتين، في اليوم التالي أعادوا فحص الدم فوجدوا ما كانوا يخشونه، فالفحوصات لفيروسات كورونا المعروفة مسبقا كانت سلبا، لكن فحص عائلة كورونا كان موجبا.. بمعنى أنهم يتعاملون الآن مع فيروس جديد لم يسبق أن تعرف عليه أحد وهو من عائلة كورونا وعندها علموا أن المريض قد زار السعودية قبل مرضه.

 

وعند مقارنة الفيروس بالذي اكتشف في السعودية ثبت تطابقه بنسبة 99.5%، وفي هذا اليوم أعلنت منظمة الصحة العالمية تحذيرا عالميا بوجود حالتين على مدار أشهر، وتوالت منذ ذلك الحين الحالات، فكانت هناك حالة لرجل يعيش في الرياض مع ابنيه أحدهما مات، وحالات أخرى في الأردن.
وفي أبريل 2012 أصبح المجموع 11 حالة ماتوا جراء الفيروس، والفحوصات لاثنين منهم بعد الوفاة أكدت أنهما كانا يحملان هذا الفيروس

وفي الشهر الماضي في بريطانيا سجلت أول حالة لمريض اسمه عابد حسين، زار باكستان لرؤية عائلته، ثم ذهب مكة ليدعو لابنه خالد المصاب بسرطان في الدماغ، وعندما وصل لندن كان ابنه المريض يتلقى العلاج الكيميائي فكانت مناعته ضعيفة، مما أدى إلى انتقال الفيروس من عابد إلى ابنه خالد وموته، أما أخته التي انتقلت إليها العدوى كذلك فقد استطاعت أن تقاومها وعات، وبذلك تأكد لنا أن هذا الفيروس ينتقل من شخص إلى آخر، لأنه ينتقل داخل العائلة الواحدة.

 

أسئلة خطيرة وهامة.. كيف ينتقل الفيروس؟ من أين يأتي؟ وكيف تنتقل العدوى؟ وإجابات هذه الأسئلة لا نعلمها.. كل ما نعرفه إلى الآن أن هذا الفيروس لا ينتقل بسهولة، لكن الفيروسات لديها القدرة على أن تتحور وتتطور وتتكيف وتتأقلم وتهيئ نفسها لتنتقل بسرعة وسهولة، ونرى ذلك في كثير من الفيروسات، وهنا يكمن الخطر في تحور هذا الفيروس ليصبح قادرا على الانتقال والانتشار بسرعة أكبر، مما يؤدي إلى وباء عالمي شامل.

 

لا يعرف أحد من أين جاء الفيروس. نعتقد أنه جاء من الخفافيش مثل سارس، ولذلك يجري البحث والدراسة فيما يخص الخفافيش في منطقة البيشة مكان أول مريض تم تشخيصه في جدة.

لكن هذا غالبا لا يفيد لأنه لا يعني أنها الناقل، فغالبا هناك ناقل وسيط، وفي حالة سارس كانت القطط هي الناقل الوسيط.

أثناء التحري وجد أن المريض القطري يمتلك مزرعة لرعاية الماعز، وقد مرض بعضها قبل مرضه، فهل يعني هذا أن الماعز هي الناقل الوسيط، ليس هذا فحسب.. بل إن أحد الرعاة في المزرعة أصيب بنزلة رئوية ودخل المستشفى.

قد يكون الفيروس مختبئا في مزارع الحيوانات.. قد يكون مختبئا في السعودية أو قطر أو الأردن أو في إحدى الدول المصدرة للمواشي مثل السودان.. الفيروس مختبئ ولا يعرف أحد أين يختبئ. هل هو في الخفافيش في السعودية.. ليس هناك بحث مكثف لمعرفة الناقل الوسيط.

يطالب فاوتشر من الفريق الهولندي بفحص الحيوانات والمواشي في السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط، وتعلق رئيسة الأطباء البيطريين في منظمة الصحة العالمية بأننا ما زلنا في ظلام لأننا لا نعرف أين يختبئ هذا الفيروس.

 

يطالب فاوتشر بفحوصات واسعة على البشر والحيوانات لمعرفة مدى انتشاره ومحاولة معرفة أين يختبئ.
ويؤكد فاوتشر أن أوروبا تعد نفسها للأسوأ وتركز على العلاج وليس الوقاية فحسب.. أوروبا الآن تبحث عن أي دواء يمكن أن يساعد في علاج كورون.

 

إن الذي نعرفه عن هذا الفيروس ليس كافيا لمحاصرته أو الوقاية من انتشاره أو علاجه، فنحن لا نعرف من أين بدأ ولا نعرف كيف انتقل من الحيوان للإنسان ولا نعرف هل انتقل من الحيوان الذي يحمله أولا أم من حيوان وسيط كما هو الحال في سارس، وفي أي أنواع الحيوان هو؟ هل في المواشي.. وهل هي المواشي المستوردة من دول مجاورة؟ وما العلاج في حالة الإصابة به. إن الأسئلة التي لا نستطيع الإجابة عنها الآن أكثر بكثير من تلك التي نستطيع الإجابة عنها.

 

ومن جانبنا ننصح بأنه في حالة وجود شخص لديه أعراض البرد أن يتفادى أن يكون سببا ـ لا قدر الله ـ في نقل أي عدوى للمحيطين به، وكذلك على المحيطين به تجنب الاحتكاك والاختلاط به عن قرب.

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=16840